وَقَدْ وَصَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بالإحسان إلى الأرقاء في غير ما حَدِيثٍ، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ آخِرَ مَا أَوْصَى أَنْ جَعَلَ يَقُولُ: "الصلاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ" (?) .
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُمُ الْعَبِيدُ -وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ-لِعُمُومِ الْآيَةِ لِلْمُسْلِمِ وَالْمُشْرِكِ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الْمَحْبُوسُ، أَيْ: يُطْعِمُونَ لِهَؤُلَاءِ الطَّعَامَ وَهُمْ يَشْتَهُونَهُ وَيُحِبُّونَهُ، قَائِلِينَ بِلِسَانِ الْحَالِ: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} أَيْ: رجاءَ ثَوَابِ اللَّهِ وَرِضَاهُ {لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} أَيْ: لَا نَطْلُبُ مِنْكُمْ مُجَازَاةً تُكَافِئُونَا بِهَا وَلَا أَنْ تَشْكُرُونَا عِنْدَ النَّاسِ.
قَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَمَا وَاللَّهِ مَا قَالُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَلَكِنْ عَلِمَ اللَّهُ بِهِ مِنْ قُلُوبِهِمْ، فَأَثْنَى عَلَيْهِمْ بِهِ لِيَرْغَبَ فِي ذَلِكَ رَاغِبٌ.
{إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} أَيْ: إِنَّمَا نَفْعَلُ هَذَا لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَرْحَمَنَا وَيَتَلَقَّانَا بِلُطْفِهِ، فِي الْيَوْمِ الْعَبُوسِ الْقَمْطَرِيرِ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {عَبُوسًا} ضَيِّقًا، {قَمْطَرِيرًا} طَوِيلًا.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَغَيْرُهُ، عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: {يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} أَيْ: يَعْبَسُ الْكَافِرُ يَوْمَئِذٍ حَتَّى يَسِيلَ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْهِ عَرَق مِثْلُ القَطرَان.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {عَبُوسًا} الْعَابِسُ الشَّفَتَيْنِ، {قَمْطَرِيرًا} قَالَ: تَقْبِيضُ الوَجه بالبُسُور.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقَتَادَةُ: تَعْبَسُ فِيهِ الْوُجُوهُ مِنَ الْهَوْلِ، {قَمْطَرِيرًا} تَقْلِيصُ الْجَبِينِ وَمَا بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ، مِنَ الْهَوْلِ.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْعُبُوسُ: الشَّرُّ. وَالْقَمْطَرِيرُ: الشَّدِيدُ.
وَأَوْضَحُ الْعِبَارَاتِ وَأَجْلَاهَا وَأَحْلَاهَا، وَأَعْلَاهَا وَأَوْلَاهَا -قولُ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَالْقَمْطَرِيرُ هُوَ: الشَّدِيدُ؛ يُقَالُ: هُوَ يَوْمٌ قَمْطَرِيرٌ وَيَوْمٌ قُماطِر، وَيَوْمٌ عَصِيب وعَصَبْصَب، وَقَدِ اقْمَطَرَّ اليومُ يَقْمَطِرُّ اقْمِطْرَارًا، وَذَلِكَ أَشَدُّ الْأَيَّامِ وَأَطْوَلُهَا فِي الْبَلَاءِ وَالشِّدَّةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ:
بنَي عَمّنا، هَلْ تَذكُرونَ بَلاءنَا ? ... عَلَيكم إذَا مَا كانَ يومُ قُمَاطرُ (?)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} وَهَذَا مِنْ بَابِ التَّجَانُسِ الْبَلِيغِ، {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ} أَيْ: آمَنَهُمْ مِمَّا خَافُوا مِنْهُ، {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً} أَيْ: فِي وُجُوهِهِمْ، {وَسُرُورًا} أَيْ: فِي قُلُوبِهِمْ. قَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ. وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ} [عَبَسَ: 38، 39] . وَذَلِكَ أَنَّ الْقَلْبَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ الْوَجْهُ، قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ