{فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52) كَلا بَلْ لَا يَخَافُونَ الآخِرَةَ (53) كَلا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56) }
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا أَنَّ: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} أَيْ: مُعْتَقَلَةٌ بِعَمَلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: {إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ} فَإِنَّهُمْ {فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ} أَيْ: يَسْأَلُونَ الْمُجْرِمِينَ وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ وَأُولَئِكَ فِي الدِّرْكَاتِ قَائِلِينَ لَهُمْ:
{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} أَيْ: مَا عَبَدَنَا رَبَّنَا وَلَا أَحْسَنَّا إِلَى خَلْقِهِ مِنْ جِنْسِنَا،
{وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} أَيْ: نَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا نَعْلَمُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كُلَّمَا غَوِيَ غَاوٍ غَوَيْنَا مَعَهُ،
{وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} يَعْنِي: الْمَوْتَ. كَقَوْلِهِ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الْحِجْرِ: 99] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أما هُوَ -يَعْنِي عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ-فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ مِنْ رَبِّهِ". (?)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} أَيْ: مَنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِهَذِهِ (?) الصِّفَاتِ فَإِنَّهُ لَا تَنْفَعُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفَاعَةُ شَافِعٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ الشَّفَاعَةَ إِنَّمَا تُنْجِعُ إِذَا كَانَ الْمَحَلُّ قَابِلًا فَأَمَّا مَنْ وَافَى اللَّهَ كَافِرًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنَّهُ لَهُ النَّارُ لَا مَحَالَةَ، خَالِدًا فِيهَا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} أَيْ: فَمَا لِهَؤُلَاءِ الْكَفَرَةِ الَّذِينَ قِبَلَكَ مِمَّا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ وَتُذَكِّرُهُمْ بِهِ مُعْرِضِينَ،
{كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} أَيْ: كَأَنَّهُمْ فِي نِفَارِهِمْ عَنِ الْحَقِّ، وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْهُ حُمُر مِنْ حُمُرِ الْوَحْشِ إِذَا فَرَّتْ مِمَّنْ يُرِيدُ صَيْدَهَا مِنْ أَسُدٍ، قاله أبو هريرة، وَابْنُ عَبَّاسٍ -فِي رِوَايَةٍ-عَنْهُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ. أَوْ: رَامٍ، وَهُوَ رواية (?) عن