ذَلِكَ الذَّنْبُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ ضَارًّا فِي تَكْفِيرِ مَا تَقَدَّمَ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: "التَّوْبَةُ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا؟ ". وَلِلْأَوَّلِ أَنْ يَحْتَجَّ بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا: "مَن أحسنَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤاخَذ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ أُخِذَ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِرِ" (?) فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنَ التَّوْبَةِ، فَالتَّوْبَةُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ} وَ {عَسَى} مِنَ اللَّهِ مُوجِبَةٌ، {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} أَيْ: وَلَا يُخْزِيهِمْ مَعَهُ يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ.
{يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ: هَذَا يَقُولُهُ الْمُؤْمِنُونَ حِينَ يَرَون يَوْمَ الْقِيَامَةِ نورَ الْمُنَافِقِينَ قَدْ طفِئ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا ابْنِ لَهِيعة، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا ذَرٍّ وَأَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أنا أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ فِي السُّجُودِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ بِرَفْعِ رَأْسِهِ، فأنظرُ بَيْنَ يَدَيّ فَأَعْرِفُ أُمَّتِي مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ، وَأَنْظُرُ عَنْ يَمِينِي فَأَعْرِفُ أُمَّتِي مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ، وَأَنْظُرُ عَنْ شِمَالِي فَأَعْرِفُ أُمَّتِي مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تَعْرِفُ أُمَّتَكَ مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ. قَالَ: "غُرٌّ مُحجلون مِنْ آثَارِ الطُّهور (?) وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَمِ كَذَلِكَ غَيْرُهُمْ، وَأَعْرِفُهُمْ أَنَّهُمْ يؤتَون كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ، وَأَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ، وَأَعْرِفُهُمْ بِنُورِهِمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ" (?) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الطَالَقَانِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَسَّانَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ، لَا تُخْزِنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (?) .
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) }
يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجِهَادِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، هَؤُلَاءِ بالسلاح والقتال، وهؤلاء بإقامة