وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَرَأَى عَلَيْهِمْ ثِيَابَ النِّمَارِ، فَقَالَ: "مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدَ سَعَة أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لَجُمُعَتِهِ، سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ". رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ (?)

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ} الْمُرَادُ بِهَذَا النِّدَاءِ هُوَ النِّدَاءُ الثَّانِي الَّذِي كَانَ يُفْعَلُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَإِنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ يُؤَذَّنُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ، فَأَمَّا النِّدَاءُ الْأَوَّلُ الَّذِي زَادَهُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِنَّمَا كَانَ هَذَا لِكَثْرَةِ النَّاسِ، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ -هُوَ ابْنُ أَبِي إِيَاسٍ-حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أولهُ إِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ [بَعْدَ زَمَنٍ] (?) وَكَثُرَ النَّاسُ، زَادَ النِّدَاءَ الثَّانِيَ (?) عَلَى الزَّوْرَاءِ (?) يَعْنِي: يُؤَذَّنُ بِهِ عَلَى الدَّارِ الَّتِي تُسَمَّى بِالزَّوْرَاءِ، وَكَانَتْ أَرْفَعَ دَارٍ بِالْمَدِينَةِ، بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ الْمَكْحُولِيُّ، عَنْ مَكْحُولٍ: أَنَّ النِّدَاءَ كَانَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ مُؤَذَّنٌ وَاحِدٌ حِينَ يَخْرُجُ الْإِمَامُ، ثُمَّ تُقَامُ الصَّلَاةُ، وَذَلِكَ النِّدَاءُ الَّذِي يَحْرُمُ عنده البيع الشراء (?) إِذَا نُودِيَ بِهِ، فَأَمَرَ عُثْمَانُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنْ يُنَادَى قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ.

وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِحُضُورِ الْجُمُعَةِ [الرِّجَالُ] (?) الْأَحْرَارُ دُونَ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ، وَيُعْذَرُ الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ، وقَيّم الْمَرِيضِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْذَارِ، كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ.

وَقَوْلُهُ: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} أَيِ: اسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَاتْرُكُوا الْبَيْعَ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ: وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى تَحْرِيمِ الْبَيْعِ بَعْدَ النِّدَاءِ الثَّانِي. وَاخْتَلَفُوا: هَلْ يَصِحُّ إِذَا تَعَاطَاهُ مُتَعَاطٍ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أَيْ: تَرْكُكُمُ الْبَيْعَ وَإِقْبَالُكُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَإِلَى الصَّلَاةِ خيرٌ لَكُمْ، أَيْ: فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.

وَقَوْلُهُ: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} أَيْ: فُرغ مِنْهَا، {فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} لَمَّا حَجَر عَلَيْهِمْ فِي التَّصَرُّفِ بَعْدَ النِّدَاءِ وَأَمَرَهُمْ بِالِاجْتِمَاعِ، أَذِنَ لَهُمْ بَعْدَ الْفَرَاغِ فِي الِانْتِشَارِ فِي الْأَرْضِ وَالِابْتِغَاءِ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ. كَمَا كَانَ عرَاك بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انْصَرَفَ فَوَقَفَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أجبتُ دعوتَك، وصليتُ فريضتك، وانتشرت كما أمرتني،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015