6

{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) }

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ وَكَلِيمِهِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ: {لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} أَيْ: لِمَ تُوصِلُونَ الْأَذَى إِلَيَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ صِدْقِي فِيمَا جِئْتُكُمْ بِهِ مِنَ الرِّسَالَةِ؟. وَفِي هَذَا تَسْلِيَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَصَابَ (?) مِنَ الْكُفَّارِ مِنْ قَوْمِهِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَمْرٌ لَهُ بِالصَّبْرِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: "رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى مُوسَى: لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ" (?) وَفِيهِ نَهْيٌ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَنَالُوا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يُوَصّلوا إِلَيْهِ أَذًى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الْأَحْزَابِ: 69]

وَقَوْلُهُ: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} أَيْ: فَلَمَّا عَدَلُوا عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ مَعَ عِلْمِهِمْ بِهِ، أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ عَنِ الْهُدَى، وَأَسْكَنَهَا الشَّكَّ وَالْحَيْرَةَ وَالْخُذْلَانَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الْأَنْعَامِ: 110] وَقَالَ {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النِّسَاءِ: 115] وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}

وقوله: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} يَعْنِي: التَّوْرَاةُ قَدْ بَشَّرَت بِي، وَأَنَا مصداقُ مَا أَخْبَرَتْ عَنْهُ، وَأَنَا مُبَشّر بِمَنْ بَعْدِي، وَهُوَ الرَّسُولُ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ الْعَرَبِيُّ الْمَكِّيُّ أَحْمَدُ. فَعِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ خَاتَمُ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَدْ أَقَامَ (?) فِي مَلَإِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَشِّرًا بِمُحَمَّدٍ، وَهُوَ أَحْمَدُ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، الَّذِي لَا رِسَالَةَ بَعْدَهُ وَلَا نُبُوَّةَ. وَمَا أَحْسَنَ مَا أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ الحديثَ الَّذِي قَالَ فِيهِ:

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدِ بْنِ جُبَير بْنِ مُطعم، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ لِي أَسْمَاءٌ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمحُو اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ".

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، بِهِ نَحْوَهُ (?)

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّة، عَنْ أَبِي عُبَيدة، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: سَمَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفسه أسماءً، منها ما حفظنا فقال: "أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَالْحَاشِرُ، وَالْمُقَفِّي، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ، وَالتَّوْبَةِ، وَالْمَلْحَمَةِ".

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، به (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015