[الْأَنْبِيَاءِ: 90] ، لَا خَيْرَ فِي قَوْلٍ لَا يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ، وَلَا خَيْرَ فِي مَالٍ لَا يُنْفَقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ يَغْلِبُ جَهْلُهُ حِلْمَهُ، وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ (?) .
هَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَرِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَشَيْخُ حَريز بْنِ عُثْمَانَ، وَهُوَ نُعَيْمُ بْنُ نَمْحَةَ، لَا أَعْرِفُهُ بِنَفْيٍ وَلَا إِثْبَاتٍ، غَيْرَ أَنَّ أَبَا دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيَّ قَدْ حَكَمَ بِأَنَّ شُيُوخَ حَريز كُلَّهُمْ ثِقَاتٌ. وَقَدْ رُوِيَ لِهَذِهِ الْخُطْبَةِ شَوَاهِدُ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} أَيْ (?) لَا يَسْتَوِي هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ فِي حُكْمِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الْجَاثِيَةِ: 21] ، وَقَالَ {وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ} الْآيَةَ [غَافِرٍ: 58] . قَالَ: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: 28] ؟ فِي آيَاتٍ أُخَرَ دَالَّاتٍ عَلَى أَنَّ اللَّهَ، سُبْحَانَهُ، يُكْرِمُ الْأَبْرَارَ، وَيُهِينُ الْفُجَّارَ؛ وَلِهَذَا قال هاهنا: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} أَيِ: النَّاجُونَ الْمُسَلَّمُونَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ.
{لَوْ أَنزلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) }
يَقُولُ تَعَالَى مُعَظِّمًا لِأَمْرِ الْقُرْآنِ، ومبينا علو قدره، وأنه ينبغي وأن تَخْشَعَ لَهُ الْقُلُوبُ، وَتَتَصَدَّعَ عِنْدَ سَمَاعِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ الْأَكِيدِ: {لَوْ أَنزلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} أَيْ: فَإِنْ كَانَ الْجَبَلُ فِي غِلْظَتِهِ وَقَسَاوَتِهِ، لَوْ فَهِمَ هَذَا الْقُرْآنَ فَتَدَبَّرَ مَا فِيهِ، لَخَشَعَ وَتَصَدَّعَ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِكُمْ أَيُّهَا الْبَشَرُ أَلَّا تَلِينَ قُلُوبُكُمْ وَتَخْشَعَ، وَتَتَصَدَّعَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَقَدْ فَهِمْتُمْ عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ وَتَدَبَّرْتُمْ كِتَابَهُ؟ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} .
قَالَ الْعَوْفِيُّ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {لَوْ أَنزلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ [لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا] } (?) إِلَى آخِرِهَا، يَقُولُ: لَوْ أَنِّي أَنْزَلْتُ هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ حَمّلته إِيَّاهُ، لَتَصَدَّعَ (?) وَخَشَعَ مِنْ ثِقَلِهِ، وَمِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ. فَأَمَرَ اللَّهُ النَّاسَ إِذَا نَزَّلَ عَلَيْهِمُ القرآنُ أَنْ يَأْخُذُوهُ بِالْخَشْيَةِ الشَّدِيدَةِ والتخشع. ثم