يَضَعُهَا حَيْثُ شَاءَ، فَقَسَمَهَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ دُونَ الْأَنْصَارِ. إِلَّا أَنَّ سَهْلَ بْنَ حُنَيف وَأَبَا دُجانة سِمَاكَ بْنَ خَرشَة ذَكَرَا فَقْرًا، فَأَعْطَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ إِلَّا رَجُلَانِ: يَامِينُ بْنُ عُمَير (?) بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ جِحَاشٍ، وَأَبُو سَعْدِ بْنُ وَهْبٍ أَسْلَمَا عَلَى أَمْوَالِهِمَا فَأَحْرَزَاهَا.
قَالَ: ابْنُ إِسْحَاقَ: قَدْ حَدَّثَنِي بَعْضُ آلِ يَامِينَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِيَامِينَ: "أَلَمْ تَرَ مَا لقيتُ مِنَ ابْنِ عَمِّكَ، وَمَا هُمْ بِهِ مِنْ شَأْنِي". فَجَعَلَ يَامِينُ بن عُمَير (?) لرجل جُعِل عَلَى أَنْ يَقْتُلَ عَمْرَو بْنَ جِحَاشٍ، فَقَتَلَهُ فِيمَا يَزْعُمُونَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَنَزَلَ فِي بَنِي النَّضِيرِ سُورَةُ الْحَشْرِ بِأَسْرِهَا (?) .
وَهَكَذَا رَوَى يُونُسُ بْنُ بُكَيْر، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ (?) .
فَقَوْلُهُ: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} يَعْنِي: بَنِي النَّضِيرِ {مِنْ دِيَارِهِمْ لأوَّلِ الْحَشْرِ} .
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي سَعْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ شَكَّ فِي أن أرض المحشر هاهنا -يَعْنِي الشَّامَ فَلْيَتْل (?) هَذِهِ الْآيَةَ: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأوَّلِ الْحَشْرِ} قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اخْرُجُوا". قَالُوا: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: "إِلَى أَرْضِ الْمَحْشَرِ".
وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَمَّا أَجْلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي النَّضِيرِ، قَالَ: "هَذَا أَوَّلُ الْحَشْرِ، وَأَنَا عَلَى الْأَثَرِ".
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ بُنْدَار، عَنِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، بِهِ (?) .
وَقَوْلُهُ: {مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا} أَيْ: فِي مُدَّةِ حِصَارِكُمْ لَهُمْ وقصَرها، وَكَانَتْ سِتَّةَ أَيَّامٍ، مَعَ شِدَّةِ حُصُونِهِمْ وَمَنَعَتِهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} أَيْ: جَاءَهُمْ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي بَالٍ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ} [النَّحْلِ: 26] .
وَقَوْلُهُ: {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} أَيِ: الْخَوْفَ والهَلَع والجَزَع، وَكَيْفَ لَا يَحْصُلُ لَهُمْ ذَلِكَ وَقَدْ حَاصَرَهُمُ الَّذِي نُصر بِالرُّعْبِ مسيرةَ شَهْرٍ، صَلَوَاتُ الله وسلامه عليه.