قَالَ مُحَمَّدٌ -هُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ-: فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، فَقَالَ: وَنَحْنُ قَدْ سَمِعْنَا مِنْ أَبِي هُرَيرة، وَقَدْ أَخْبَرَنِي مَنْ شَهِدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ يَسْتَسْقِي، فَلَمَّا اسْتَسْقَى الْتَفَتَ إِلَى الْعَبَّاسِ فَقَالَ: يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ، كَمْ بَقِيَ مِنْ نَوْءِ الثُّرَيَّا؟ فَقَالَ: الْعُلَمَاءُ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا تَعْتَرِضُ فِي الْأُفُقِ بَعْدَ سُقُوطِهَا سَبْعًا. قَالَ: فَمَا مَضَتْ سَابِعَةٌ حَتَّى مُطِروا (?) .
وَهَذَا مَحمول عَلَى السُّؤَالِ عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي أَجْرَى اللَّهُ فِيهِ الْعَادَةَ بِإِنْزَالِ الْمَطَرِ، لَا أَنَّ ذَلِكَ النَّوْءَ يُؤَثِّرُ بِنَفْسِهِ فِي نُزُولِ الْمَطَرِ؛ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنِ اعْتِقَادِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عِنْدَ قَوْلِهِ: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا} [فَاطِرٍ:2] .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ -أَحْسَبُهُ أَوْ غَيْرِهِ-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا -وَمُطِرُوا-يَقُولُ: مُطِرنا بِبَعْضِ عَشَانين الْأَسَدِ. فَقَالَ: "كَذَبْتَ! بَلْ هُوَ رِزْقُ اللَّهِ" (?) .
ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ الصِّرَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَابِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَزْدِيُّ (?) ، حَدَّثَنَا جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا مُطِر قَوْمٌ مِنْ لَيْلَةٍ إِلَّا أَصْبَحَ قَوْمٌ بِهَا كَافِرِينَ" (?) . ثُمَّ قَالَ: " {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} ، يَقُولُ قَائِلٌ: مُطِرنا بِنَجْمِ كَذَا وَكَذَا" (?) .
وَفِي حَدِيثٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: "لَوْ قُحِطَ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ ثُمَّ مُطِرُوا لَقَالُوا: مُطِرْنَا بِنَوْءِ المِجْدَح" (?) .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} قَالَ: قَوْلُهُمْ فِي الْأَنْوَاءِ: مُطِرنا بِنَوْءِ كَذَا، وَبِنَوْءِ كَذَا، يَقُولُ: قُولُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَهُوَ رِزْقُهُ. وَهَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: أَمَّا الْحَسَنُ فَكَانَ يَقُولُ: بِئْسَ مَا أَخَذَ قَوْمٌ لِأَنْفُسِهِمْ، لَمْ يُرْزَقُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا التَّكْذِيبَ. فَمَعْنَى قَوْلِ الْحَسَنِ هَذَا: وَتَجْعَلُونَ حَظَّكُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ بِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ قَبْلَهُ: {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ. وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}
{فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) } .
يَقُولُ تَعَالَى: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ} أَيِ: الرُّوحُ {الْحُلْقُومَ} أي: الحلق، وذلك حين الاحتضار