وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالسَّابِقِينَ هُمُ الْمُبَادِرُونَ إِلَى فِعْلِ الْخَيِّرَاتِ كَمَا أُمِرُوا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ} [آلِ عِمْرَانَ: 133] ، وَقَالَ: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأرْضِ} [الْحَدِيدِ: 22] ، فَمَنْ سَابَقَ إِلَى هَذِهِ الدُّنْيَا وَسَبَقَ إِلَى الْخَيْرِ، كَانَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ السَّابِقِينَ إِلَى الْكَرَامَةِ، فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، وَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا الْقَزَّازُ (?) الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا خَارِجَةُ بْنُ مُصعَب، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبِّ، جَعَلْتَ لِبَنِي آدَمَ الدُّنْيَا فَهُمْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ، فَاجْعَلْ لَنَا الْآخِرَةَ. فَقَالَ: لَا أَفْعَلُ. فَرَاجَعُوا ثَلَاثًا، فَقَالَ: لَا أَجْعَلُ مَنْ خَلَقْتُ بِيَدِي كَمَنْ قُلْتُ لَهُ: كُنْ، فَكَانَ. ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} .
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْأَثَرَ الْإِمَامُ عُثْمَانُ (?) بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ فِي كِتَابِهِ: "الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ"، وَلَفْظُهُ: فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "لَنْ أَجْعَلُ صَالِحَ ذُرِّيَّةِ مَنْ خَلَقْتُ بِيَدِي، كَمَنْ قُلْتُ لَهُ: كُنْ فَكَانَ" (?) .
{ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) } .