وَلَمْ يَسْرِقْ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ عَامَّةٌ فِي الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، فَهِيَ مِنْ أَدَلِّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْجِنَّ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِذَا آمَنُوا وَاتَّقَوْا؛ وَلِهَذَا امْتَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الثَّقَلَيْنِ بِهَذَا الْجَزَاءِ فَقَالَ: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} .
ثُمَّ نَعَتَ هَاتَيْنِ الْجَنَّتَيْنِ فَقَالَ: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} أَيْ: أَغْصَانٍ نَضِرَة حَسَنَةٍ، تَحْمِلُ مِنْ كُلِّ ثَمَرَةٍ نَضِيجَةٍ فَائِقَةٍ، {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} . هَكَذَا (?) قَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ: إِنَّ الْأَفْنَانَ أَغْصَانُ الشجَر يَمَسُّ بعضُها بَعْضًا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ النُّعْمَانِ، سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} ، يَقُولُ: ظِل الْأَغْصَانِ عَلَى الْحِيطَانِ، أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ الشَّاعِرِ حَيْثُ يَقُولُ:
مَا هاجَ شَوقَكَ مِنْ هَديل حَمَامَةٍ ... تَدْعُو عَلَى فَنَن الغُصُون حَمَاما ...
تَدْعُو أَبَا فَرْخَين صَادَفَ طَاوِيًا ... ذَا مِخْلَبَيْنِ مِنَ الصُّقُورِ قَطاما (?)
وَحَكَى الْبَغَوِيُّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالضَّحَّاكِ، وَالْكَلْبِيِّ: أَنَّهُ الْغُصْنُ الْمُسْتَقِيمُ (?) [طِوَالًا] (?) .
قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} : ذَوَاتَا أَلْوَانٍ.
قَالَ: وَ [قَدْ] (?) رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنِ، وَالسُّدِّيِّ، وخُصَيف، وَالنَّضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ (?) ، وَأَبِي سِنَان مِثْلُ ذَلِكَ. وَمَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ فِيهِمَا فُنُونًا مِنَ الْمَلَاذِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: كُلُّ غُصْنٍ يَجْمَعُ فُنُونًا مِنَ الْفَاكِهَةِ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} : وَاسِعَتَا الْفِنَاءِ.
وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ صَحِيحَةٌ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} يُنْبِئُ بِسِعَتِهَا وَفَضْلِهَا (?) وَمَزِيَّتِهَا عَلَى مَا سِوَاهَا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ (?) قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَذَكَرَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى-فَقَالَ: "يَسِيرُ فِي ظِلِّ الفَنَن مِنْهَا الرَّاكِبُ مِائَةَ سَنَةٍ-أَوْ قَالَ: يَسْتَظِلُّ فِي ظِلِّ الفَنَن مِنْهَا مِائَةُ رَاكِبٍ-فِيهَا فِرَاشُ الذَّهَبِ، كَأَنَّ ثَمَرَهَا القِلال".