17

{رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (18) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (23) وَلَهُ الْجَوَارِي الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأعْلامِ (24) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (25) } .

يَذْكُرُ تَعَالَى خَلْقَهُ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ، وَخَلْقَهُ (?) الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَهُوَ: طَرَفُ لَهَبِهَا. قَالَهُ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِهِ يَقُولُ عِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ زَيْدٍ.

وَقَالَ العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} مِنْ لَهَبِ النَّارِ، مِنْ أَحْسَنِهَا.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} مِنْ خَالِصِ النَّارِ. وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُمْ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخَلَقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ".

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، بِهِ (?) .

وَقَوْلُهُ: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ.

{رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} يَعْنِي: مَشْرِقَيِ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ، وَمَغْرِبَيِ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ. وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} [الْمَعَارِجِ: 40] ، وَذَلِكَ بِاخْتِلَافِ مَطَالِعِ الشَّمْسِ وَتَنَقُّلِهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَبُرُوزِهَا مِنْهُ إِلَى النَّاسِ. وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا} [الْمُزَّمِّلِ:9] . وَهَذَا الْمُرَادُ مِنْهُ جِنْسُ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ، وَلَمَّا كَانَ فِي اخْتِلَافِ هَذِهِ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ، مَصَالِحُ لِلْخَلْقِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ قَالَ: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} ؟ .

وَقَوْلُهُ: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ أَرْسَلَهُمَا.

وَقَوْلُهُ: {يَلْتَقِيَانِ} قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَيْ: مَنَعَهُمَا أَنْ يَلْتَقِيَا، بِمَا جَعَلَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْبَرْزَخِ الْحَاجِزِ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا.

وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {الْبَحْرَيْنِ} الْمِلْحُ وَالْحُلْوُ، فَالْحُلْوُ هَذِهِ الْأَنْهَارُ السَّارِحَةُ بَيْنَ النَّاسِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي سُورَةِ "الْفُرْقَانِ" عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا} [الْفُرْقَانِ:53] . وَقَدِ اخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ هَاهُنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَحْرَيْنِ: بَحْرَ السَّمَاءِ وَبَحْرَ الْأَرْضِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطِيَّةَ وَابْنِ أبْزَى.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: لِأَنَّ اللُّؤْلُؤَ يَتَوَلَّدُ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ، وَأَصْدَافِ (?) بَحْرِ الْأَرْضِ (?) . وَهَذَا وَإِنْ كَانَ هَكَذَا لَيْسَ الْمُرَادُ [بِذَلِكَ] (?) مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يُسَاعِدُهُ اللَّفْظُ؛ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَدْ قَالَ: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} أَيْ: وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا، وَهُوَ: الْحَاجِزُ مِنَ الْأَرْضِ، لِئَلَّا يَبْغِيَ هذا على هذا، وهذا على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015