تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَمَرِ (?)
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ.
قَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي وَاقِدٍ (?) : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ بِقَافٍ، وَاقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ، فِي الْأَضْحَى والفِطْر، وَكَانَ يَقْرَأُ بِهِمَا فِي الْمَحَافِلِ الْكِبَارِ، لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى ذِكْرِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَبَدْءِ الْخَلْقِ وَإِعَادَتِهِ، وَالتَّوْحِيدِ وَإِثْبَاتِ النُّبُوَّاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَاصِدِ الْعَظِيمَةِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (?) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (?) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (?) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الأنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (?) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (?) }
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ وَفَرَاغِ الدُّنْيَا وَانْقِضَائِهَا. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ [سُبْحَانَهُ] } [النَّحْلِ: 1] ، (?) وَقَالَ: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 1] وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِذَلِكَ، قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَا حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ أَصْحَابَهُ ذَاتَ يَوْمٍ، وَقَدْ كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبَ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا شِفٌّ (?) يَسِيرٌ، فَقَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا فِيمَا مَضَى مِنْهَا إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا فِيمَا مَضَى مِنْهُ، وَمَا نَرَى مِنَ الشَّمْسِ إِلَّا يَسِيرًا" (?) .
قُلْتُ: هَذَا حَدِيثٌ مَدَارُهُ عَلَى خَلَفِ بْنِ مُوسَى بْنِ خَلَفٍ العَمِّيّ، عَنْ أَبِيهِ. وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّان فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ: رُبَّمَا أَخْطَأَ.
حَدِيثٌ آخَرُ يُعَضِّدُ الَّذِي قَبْلَهُ وَيُفَسِّرُهُ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْن، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْل، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّمْسُ عَلَى قُعَيْقِعان بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقَالَ: "مَا أَعْمَارُكُمْ فِي أَعْمَارِ مَنْ مَضَى إِلَّا كَمَا بقي من النهار فيما مضى" (?) .