وَقَوْلُهُ: {هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} أَيْ: هَلْ مِنْ مَفَرٍّ كَانَ لَهُمْ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ؟ وَهَلْ نَفَعَهُمْ مَا جَمَعُوهُ وَرَدَّ عَنْهُمْ عَذَابَ اللَّهِ إِذْ جَاءَهُمْ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ؟ فَأَنْتُمْ أَيْضًا لَا مَفَرَّ لَكُمْ وَلَا مَحِيدَ وَلَا مَنَاصَ وَلَا مَحِيصَ.

وَقَوْلُهُ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى} أَيْ: لَعِبْرَةٌ {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} أَيْ: لُبٌّ يَعِي بِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عَقْلٌ {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} أَيِ: اسْتَمَعَ الْكَلَامَ فَوَعَاهُ، وَتَعَقَّلَهُ بِقَلْبِهِ وَتَفَهَّمَهُ بِلُبِّهِ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} يَعْنِي: لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِغَيْرِهِ، {وَهُوَ شَهِيدٌ} وَقَالَ: شَاهِدٌ بِالْقَلْبِ (?) .

وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْعَرَبُ تَقُولُ: أَلْقَى فُلَانٌ سَمْعَهُ: إِذَا اسْتَمَعَ بِأُذُنَيْهِ وَهُوَ شَاهِدٌ يَقُولُ غَيْرُ غَائِبٍ. وَهَكَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ.

وَقَوْلُهُ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} : فِيهِ تَقْرِيرُ الْمَعَادِ؛ لِأَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى خَلْقِ السموات وَالْأَرْضِ وَلِمَ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ، قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى.

وَقَالَ قَتَادَةُ: قَالَتِ الْيَهُودُ -عَلَيْهِمْ لِعَائِنُ اللَّهِ-: خَلَقَ اللَّهُ السموات وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ اسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ، وَهُوَ يَوْمُ السَّبْتِ، وَهُمْ يُسَمُّونَهُ يَوْمَ الرَّاحَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَكْذِيبَهُمْ فِيمَا قَالُوهُ وَتَأَوَّلُوهُ: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} أَيْ: مِنْ إِعْيَاءٍ وَلَا نَصَبٍ وَلَا تَعَبٍ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الْأَحْقَافِ: 33] ، وَكَمَا قَالَ: {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غَافِرٍ:57] وَقَالَ {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} [النَّازِعَاتِ: 27] .

وَقَوْلُهُ: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} يَعْنِي: الْمُكَذِّبِينَ، اصْبِرْ عَلَيْهِمْ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} ، وَكَانَتِ الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ قَبْلَ الْإِسْرَاءِ ثِنْتَيْنِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي وَقْتِ الْفَجْرِ، وَقَبْلَ الْغُرُوبِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ كَانَ وَاجِبًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى أُمَّتِهِ حَوْلًا ثُمَّ نُسِخَ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ وُجُوبُهُ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ، وَلَكِنْ مِنْهُنَّ (?) صَلَاةُ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ، فَهُمَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ.

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ (?) ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ: "أَمَا إِنَّكُمْ سَتُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّكُمْ فَتَرَوْنَهُ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لَا تُضَامُونَ فِيهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَلَّا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، فَافْعَلُوا" ثُمَّ قَرَأَ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015