إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أَيْ: إِنَّهَا قَصِيرَةٌ-فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اغْتَبْتِيهَا" (?) .
وَالْغِيبَةُ مُحَرَّمَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا رَجَحَتْ مَصْلَحَتُهُ، كَمَا فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَالنَّصِيحَةِ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (?) ، لَمَّا اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْفَاجِرُ: "ائْذَنُوا لَهُ، بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ" (?) ، وَكَقَوْلِهِ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ -وَقَدْ خَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ وَأَبُو الْجَهْمِ-: "أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ (?) ، وَأَمَّا أَبُو الْجَهْمِ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ" (?) . وَكَذَا مَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ. ثُمَّ بَقِيَّتُهَا عَلَى التَّحْرِيمِ الشَّدِيدِ، وَقَدْ وَرَدَ فِيهَا الزَّجْرُ الْأَكِيدُ (?) ؛ وَلِهَذَا شَبَّهَهَا تَعَالَى بِأَكْلِ اللَّحْمِ مِنَ الْإِنْسَانِ الْمَيِّتِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} ؟ أَيْ: كَمَا تَكْرَهُونَ هَذَا طَبْعًا، فَاكْرَهُوا ذَاكَ شَرْعًا؛ فَإِنَّ عُقُوبَتَهُ أَشَدُّ مِنْ هَذَا وَهَذَا مِنَ التَّنْفِيرِ عَنْهَا وَالتَّحْذِيرِ مِنْهَا، كَمَا قَالَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي الْعَائِدِ فِي هِبَتِهِ: "كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ"، وَقَدْ قَالَ: "لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ". وَثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ (?) وَالْحِسَانِ وَالْمَسَانِيدِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ فِي خُطْبَةِ [حَجَّةِ] (?) الْوَدَاعِ: "إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا" (?) .
وَقَالَ (?) أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حرام: ماله وعرضه ودمه، حسب امرىء مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (?) عَنْ عُبَيْدِ بْنِ أَسْبَاطِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، بِهِ (?) . وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ (?) ، حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (?) بْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "يا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فَإِنَّهُ مَنْ يَتْبَعْ عَوْرَاتِهِمْ يَتْبَعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتْبَعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ".
تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ (?) . وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، فَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حبيب الزيات، عن أبي إسحاق