وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ إِلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ ليُصدّقهم، فَتَلَقَّوْهُ بِالصَّدَقَةِ، فَرَجَعَ فَقَالَ: إِنَّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ قَدْ جَمَعَتْ لَكَ لِتُقَاتِلَكَ -زَادَ قَتَادَةُ: وَإِنَّهُمْ قَدِ ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ-فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَيْهِمْ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَثَبَّتَ وَلَا يَعْجَلَ. فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَاهُمْ لَيْلًا فَبَعَثَ عُيُونَهُ، فَلَمَّا جَاءُوا أَخْبَرُوا خَالِدًا أَنَّهُمْ مُسْتَمْسِكُونَ بِالْإِسْلَامِ، وَسَمِعُوا أَذَانَهُمْ وَصَلَاتَهُمْ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَتَاهُمْ خَالِدٌ فَرَأَى الَّذِي يُعْجِبُهُ، فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. قَالَ قَتَادَةُ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "التَّبيُّن مِنَ اللَّهِ، والعَجَلَة مِنَ الشَّيْطَانِ".

وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ، مِنْهُمْ: ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، وَالضَّحَّاكُ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّان، وَغَيْرُهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (?) .

وَقَوْلُهُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ} أَيْ: اعْلَمُوا أَنَّ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ رَسُولَ اللَّهِ فعظِّموه وَوَقِّرُوهُ، وَتَأَدَّبُوا مَعَهُ، وَانْقَادُوا لِأَمْرِهِ، فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِمَصَالِحِكُمْ، وَأَشْفَقُ عَلَيْكُمْ مِنْكُمْ، وَرَأْيُهُ فِيكُمْ أَتَمُّ مِنْ رَأْيِكُمْ لِأَنْفُسِكُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الْأَحْزَابِ: 6] .

ثُمَّ بَيَّن [تَعَالَى] (?) أَنَّ رَأْيَهُمْ سَخِيفٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مُرَاعَاةِ مَصَالِحِهِمْ فَقَالَ: {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأمْرِ لَعَنِتُّمْ} أَيْ: لَوْ أَطَاعَكُمْ فِي جَمِيعِ مَا تَخْتَارُونَهُ لَأَدَّى ذَلِكَ إِلَى عَنَتِكُمْ وحَرَجكم، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 71] .

وَقَوْلُهُ: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} أَيْ: حَبَّبَهُ إِلَى نُفُوسِكُمْ وَحَسَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ.

قَالَ (?) الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بَهْز، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَسْعَدة، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: "الْإِسْلَامُ عَلَانِيَةً، وَالْإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ" قَالَ: ثُمَّ يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: "التَّقْوَى هَاهُنَا، التَّقْوَى هَاهُنَا" (?) .

{وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} أَيْ: وَبَغَّضَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ والفسوق، وهي: الذنوب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015