وَقَالَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التَّوْبَةِ: 14، 15] .
ثُمَّ لَمَّا كَانَ مِنْ شَأْنِ الْقِتَالِ أَنْ يُقتل كثيرٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} أَيْ: لَنْ يُذْهِبَهَا بَلْ يُكَثِّرُهَا وَيُنَمِّيهَا وَيُضَاعِفُهَا. وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْرِي عَلَيْهِ عَمَلُهُ فِي طُولِ بَرْزَخه، كَمَا وَرَدَ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، حَيْثُ قَالَ:
حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ يَحْيَى الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرّة (?) ، عَنْ قَيْسٍ الْجُذَامِيِّ -رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "يُعْطَى الشَّهِيدُ سِتُّ خِصَالٍ عِنْدَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهِ: يُكَفر عَنْهُ كُلُّ خَطِيئَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُزَوَّجُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُؤَمَّنُ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيُحَلَّى حُلَّة (?) الْإِيمَانِ" (?) . تَفَرَّدَ (?) بِهِ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَحْمَدُ (?) أَيْضًا: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عن بَحِير (?) ابن سَعِيدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدان، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ معد يكرب الْكِنْدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتَّ خِصَالٍ: أَنْ يُغْفَرَ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَة مِنْ دَمِهِ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُحَلَّى حُلَّة (?) الْإِيمَانِ، وَيُزَوَّجَ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُجَارَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، ويَأمَن مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَيُوضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، الْيَاقُوتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، ويُشَفَّع فِي سَبْعِينَ إِنْسَانًا مِنْ أَقَارِبِهِ".
وَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ مَاجَهْ (?) .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو، وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ: "يُغفر لِلشَّهِيدِ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الدَّيْن" (?) . وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُشَفَّعُ الشَّهِيدُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ". وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ (?) . وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِ الشَّهِيدِ (?) كَثِيرَةٌ جِدًّا.
وَقَوْلُهُ: {سَيَهْدِيهِمْ} أَيْ: إِلَى الْجَنَّةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [يونس: 9] .