24

قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَمَا أَنَّهُ لَا يُجْتَنَى مِنَ الشَّوْكِ (?) الْعِنَبُ، كَذَلِكَ لَا يَنَالُ الْفُجَّارُ مَنَازِلَ الْأَبْرَارِ" (?) .

هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي كِتَابِ "السِّيرَةُ" أَنَّهُمْ وَجَدُوا حَجَرًا بِمَكَّةَ فِي أسِّ الْكَعْبَةِ مَكْتُوبٌ (?) عَلَيْهِ: تَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ وَتَرْجُونَ الْحَسَنَاتِ؟ أَجَلْ كَمَا يُجْتَنَى مِنَ الشَّوْكِ الْعِنَبُ (?) .

وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّة، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ (?) ، أَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ قَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ يُرَدِّدُ هَذِهِ الْآيَةَ: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}

، وَقَالَ (?) {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ} أَيْ: بِالْعَدْلِ، {وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} (?) .

ثُمَّ قَالَ [تَعَالَى] (?) {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} أَيْ: إِنَّمَا يَأْتَمِرُ بِهَوَاهُ، فَمَهْمَا رَآهُ حَسَنًا فَعَلَهُ، وَمَهْمَا رَآهُ قَبِيحًا تَرَكَهُ: وَهَذَا قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ بِالتَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيَّيْنِ.

وَعَنْ مَالِكٍ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنَ التَّفْسِيرِ: لَا يَهْوَى شَيْئًا إِلَّا عَبَدَهُ.

وَقَوْلُهُ: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} يَحْتَمِلُ قَوْلَيْنِ:

أحدها (?) وَأَضَلَّهُ اللَّهُ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ. وَالْآخَرُ: وَأَضَلَّهُ اللَّهُ بَعْدَ بُلُوغِ الْعِلْمِ إِلَيْهِ، وَقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي يَسْتَلْزِمُ الْأَوَّلَ، وَلَا يَنْعَكِسُ.

{وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} أَيْ: فَلَا يَسْمَعُ مَا يَنْفَعُهُ، وَلَا يَعِي شَيْئًا يَهْتَدِي بِهِ، وَلَا يَرَى حُجَّةً يَسْتَضِيءُ بِهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} كَقَوْلِهِ: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ (?) وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الْأَعْرَافِ: 186] .

{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ (24) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (26) }

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ قَوْلِ الدَّهْرِيَّةِ مِنَ الْكُفَّارِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ فِي إِنْكَارِ الْمَعَادِ: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015