وَلِهَذَا قَالَ: {فَضْلا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} أَيْ: إِنَّمَا كَانَ هَذَا (?) بِفَضْلِهِ عَلَيْهِمْ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ (?) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "اعْمَلُوا وَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَدًا لَنْ يُدخله عَمَلُهُ الْجَنَّةَ" قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يتغمَّدني اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ" (?) .
وَقَوْلُهُ: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} أَيْ: إِنَّمَا يَسَّرْنَا هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ سَهْلًا وَاضِحًا بَيِّنًا جَلِيًّا بِلِسَانِكَ الَّذِي هُوَ أَفْصَحُ اللُّغَاتِ وَأَجْلَاهَا وَأَحْلَاهَا وَأَعْلَاهَا {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} أَيْ: يَتَفَهَّمُونَ وَيَعْمَلُونَ. ثُمَّ لَمَّا كَانَ مَعَ هَذَا الْبَيَانِ وَالْوُضُوحِ مِنَ النَّاسِ مَنْ كَفَرَ وَخَالَفَ وَعَانَدَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ مُسَلِّيًا لَهُ وَوَاعِدًا لَهُ بِالنَّصْرِ، وَمُتَوَعِّدًا لِمَنْ كَذَّبَهُ بِالْعَطَبِ وَالْهَلَاكِ: {فَارْتَقِبْ} أَيِ: انْتَظِرْ {إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ} أَيْ: فَسَيَعْلَمُونَ (?) لِمَنْ يَكُونُ النَّصْرُ وَالظَّفَرُ وعُلُو الْكَلِمَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَإِنَّهَا لَكَ يَا مُحَمَّدُ وَلِإِخْوَانِكَ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَمَنِ اتَّبَعَكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الْمُجَادَلَةِ: 21] ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غَافِرٍ: 51، 52] .
آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الدُّخَانِ، ولله الحمد والمنة، وبه التوفيق والعصمة