34

لِكُلِّ زَمَانٍ عَالَمًا. وَهَذِهِ (?) كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ} [الْأَعْرَافِ: 144] أَيْ: أَهْلِ زَمَانِهِ، وَكَقَوْلِهِ لِمَرْيَمَ: {وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} [آلِ عِمْرَانَ: 42] أَيْ: فِي زَمَانِهَا؛ فَإِنَّ خَدِيجَةَ أَفْضَلُ مِنْهَا، وَكَذَا آسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، أَوْ مُسَاوِيَةٌ لَهَا فِي الْفَضْلِ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ.

وَقَوْلُهُ: {وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الآيَاتِ} أَيْ: [مِنَ] (?) الْحُجَجِ وَالْبَرَاهِينِ وَخَوَارِقِ الْعَادَاتِ {مَا فِيهِ بَلاءٌ مُبِينٌ} أَيِ: اخْتِبَارٌ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ لِمَنِ اهْتَدَى بِهِ.

{إِنَّ هَؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلا مَوْتَتُنَا الأولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35) فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (36) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (37) }

يَقُولُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي إِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ وَالْمَعَادَ، وَأَنَّهُ مَا ثَمَّ إِلَّا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا، وَلَا حَيَاةَ بَعْدَ الْمَمَاتِ، وَلَا بَعْثَ وَلَا نُشُورَ. وَيَحْتَجُّونَ بِآبَائِهِمُ الْمَاضِينَ الَّذِينَ ذَهَبُوا فَلَمْ يَرْجِعُوا، فَإِنْ كَانَ الْبَعْثُ حَقًّا {فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} وَهَذِهِ حُجَّةٌ بَاطِلَةٌ وَشُبْهَةٌ فَاسِدَةٌ، فَإِنَّ الْمَعَادَ إِنَّمَا هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ لَا فِي هَذِهِ الدَّارِ، [بَلْ] (?) بَعْدَ انْقِضَائِهَا وَذَهَابِهَا وَفَرَاغِهَا يُعِيدُ اللَّهُ الْعَالَمِينَ خَلْقًا جَدِيدًا، وَيَجْعَلُ الظَّالِمِينَ لِنَارِ جَهَنَّمَ وقودًا، يوم تكون (?) شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُتَهَدِّدًا لَهُمْ، وَمُتَوَعِّدًا وَمُنْذِرًا لَهُمْ بَأْسَهُ الَّذِي لَا يُرَدُّ، كَمَا حَلَّ بِأَشْبَاهِهِمْ (?) وَنُظَرَائِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ وَكَقَوْمِ تُبَّعٍ -وَهُمْ سَبَأٌ-حَيْثُ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ وخَرَّب بِلَادَهُمْ، وَشَرَّدَهُمْ فِي الْبِلَادِ، وَفَرَّقَهُمْ شَذَرَ مَذَرَ، كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ سَبَأٍ، وَهِيَ مُصَدَّرة بِإِنْكَارِ الْمُشْرِكِينَ لِلْمَعَادِ. وَكَذَلِكَ هَاهُنَا شَبَّهَهُمْ بِأُولَئِكَ، وَقَدْ كَانُوا عَرَبًا مِنْ قَحْطَانَ كَمَا أَنَّ هَؤُلَاءِ عَرَبٌ مِنْ عَدْنَانَ، وَقَدْ كَانَتْ حِمْيَرُ -وَهُمْ سَبَأٌ-كُلَّمَا مَلَكَ فِيهِمْ رَجُلٌ سَمَّوْهُ تُبَّعًا، كَمَا يُقَالُ: كِسْرَى لِمَنْ مَلَكَ الْفُرْسَ، وَقَيْصَرُ لِمَنْ مَلَكَ الرُّومَ، وَفِرْعَوْنُ لِمَنْ مَلَكَ مِصْرَ كَافِرًا، وَالنَّجَاشِيُّ لِمَنْ مَلَكَ الْحَبَشَةَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَعْلَامِ الْأَجْنَاسِ. وَلَكِنِ اتَّفَقَ أَنَّ بَعْضَ تَبَابِعَتِهِمْ خَرَجَ مِنَ الْيَمَنِ وَسَارَ فِي الْبِلَادِ حَتَّى وَصَلَ إِلَى سَمَرْقَنْدَ، وَاشْتَدَّ (?) مُلْكُهُ وَعَظُمَ سُلْطَانُهُ وَجَيْشُهُ، وَاتَّسَعَتْ مَمْلَكَتُهُ وَبِلَادُهُ، وَكَثُرَتْ رَعَايَاهُ وَهُوَ الَّذِي مَصَّر الْحِيرَةَ فَاتَّفَقَ أَنَّهُ مَرَّ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَرَادَ قِتَالَ أَهْلِهَا فَمَانَعُوهُ وَقَاتَلُوهُ بِالنَّهَارِ، وَجَعَلُوا يَقْرُونه بِاللَّيْلِ، فَاسْتَحْيَا مِنْهُمْ وَكَفَّ عَنْهُمْ، وَاسْتَصْحَبَ مَعَهُ حَبْرَيْنِ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ كَانَا قَدْ نَصَحَاهُ وَأَخْبَرَاهُ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى هَذِهِ الْبَلْدَةِ؛ فَإِنَّهَا مُهَاجَرُ نَبِيٍّ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، فَرَجَعَ عَنْهَا وَأَخَذَهُمَا مَعَهُ إِلَى بِلَادِ الْيَمَنِ، فَلَمَّا اجْتَازَ بِمَكَّةَ أَرَادَ هَدْمَ الْكَعْبَةِ فَنَهَيَاهُ [عَنْ ذَلِكَ] (?) أَيْضًا، وَأَخْبَرَاهُ بِعَظَمَةِ هَذَا الْبَيْتِ، وَأَنَّهُ مِنْ بِنَايَةِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ وَأَنَّهُ سَيَكُونُ لَهُ شَأْنٌ عَظِيمٌ عَلَى يدي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015