نَصْرِهِمْ وَرِزْقِهِمْ، وَمَا يَنُوبُهُمْ مِنْ أَمْرِ (?) الدُّنْيَا، فَأَمَّا الْمَعَادُ فَكَانُوا جَاحِدِينَ لَهُ كَافِرِينَ بِهِ.
قَالَ قَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَمَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَابْنِ زَيْدٍ: {إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} أَيْ: لِيَشْفَعُوا لَنَا، وَيُقَرِّبُونَا عِنْدَهُ مَنْزِلَةً.
وَلِهَذَا كَانُوا يَقُولُونَ فِي تَلْبِيَتِهِمْ إِذَا حَجُّوا فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ: "لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ (?) ، إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ". وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ هِيَ الَّتِي اعْتَمَدَهَا الْمُشْرِكُونَ فِي قَدِيمِ الدَّهْرِ وَحَدِيثِهِ، وَجَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، بِرَدِّهَا وَالنَّهْيِ عَنْهَا، وَالدَّعْوَةِ إِلَى إِفْرَادِ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ هَذَا شَيْءٌ اخْتَرَعَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ، لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ فِيهِ وَلَا رَضِيَ بِهِ، بَلْ أَبْغَضَهُ وَنَهَى عَنْهُ: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النَّحْلِ:36] {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الْأَنْبِيَاءِ:25] .
وَأَخْبَرَ أَنَّ الملائكة التي في السموات مِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَغَيْرِهِمْ، كُلَّهُمْ عَبِيدٌ خَاضِعُونَ لِلَّهِ، لَا يَشْفَعُونَ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ لِمَنِ ارْتَضَى، وَلَيْسُوا عِنْدَهُ كَالْأُمَرَاءِ عِنْدَ مُلُوكِهِمْ، يُشَفَّعُونَ عِنْدَهُمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فِيمَا أَحَبَّهُ الْمُلُوكُ وَأَبَوْهُ، {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأمْثَالَ} [النَّحْلِ:74] ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} أَيْ: سَيَفْصِلُ بَيْنَ الْخَلَائِقِ يَوْمَ مَعَادِهِمْ، وَيَجْزِي كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ، {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} (?) [سَبَأٍ:41، 40] .
وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} أَيْ: لَا يُرْشِدُ إِلَى الْهِدَايَةِ مَنْ قَصْدُهُ (?) الْكَذِبُ وَالِافْتِرَاءُ عَلَى اللَّهِ، وَقَلْبُهُ كَفَّارٌ يَجْحَدُ بِآيَاتِهِ [وَحُجَجِهِ] (?) وَبَرَاهِينِهِ.
ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا وَلَدَ لَهُ كَمَا يَزْعُمُهُ جَهَلَةُ الْمُشْرِكِينَ فِي الْمَلَائِكَةِ، وَالْمُعَانِدُونَ (?) مَنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي الْعُزَيْرِ، وَعِيسَى فَقَالَ: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} أَيْ: لَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ مَا يَزْعُمُونَ (?) . وَهَذَا شَرْطٌ لَا يَلْزَمُ وُقُوعُهُ وَلَا جَوَازُهُ، بَلْ هُوَ مُحَالٌ، وَإِنَّمَا قَصَدَ تَجْهِيلَهُمْ (?) فِيمَا ادَّعَوْهُ وَزَعَمُوهُ، كَمَا قَالَ: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} [الْأَنْبِيَاءِ:17] {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [الزُّخْرُفِ:81] ، كُلُّ هَذَا مِنْ بَابِ الشَّرْطِ، وَيَجُوزُ تَعْلِيقُ الشَّرْطِ عَلَى الْمُسْتَحِيلِ لِقَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ.
وَقَوْلُهُ: {سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} أَيْ: تَعَالَى وَتَنَزَّهَ وَتَقَدَّسَ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ، فَإِنَّهُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ، الْفَرْدُ الصَّمَدُ، الَّذِي كَلُّ شَيْءٍ عَبْدٌ لَدَيْهِ، فَقِيرٌ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْغَنِيُّ عَمَّا سِوَاهُ الَّذِي قَدْ قَهَرَ الْأَشْيَاءَ فَدَانَتْ لَهُ وَذَلَّتْ وَخَضَعَتْ.