[وَقَوْلُهُ: {لَا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ} قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: خَبَرٌ بِمَعْنَى الطَّلَبِ، وَهُوَ آكَدُ. وَقِيلَ: كَانَ أَصْلُهُ: أَلَّا تَعْبُدُوا كَمَا قَرَأَهَا بَعْضُ السَّلَفِ (?) فَحُذِفَتْ أَنْ فَارْتَفَعَ، وَحُكِيَ عَنْ أُبَيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُمَا قَرَآهَا: "لَا تَعْبُدُوا إِلا اللَّه". وَقِيلَ: {لَا تَعْبُدُونَ} مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ قَسَمٌ، أَيْ: وَاللَّهِ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ، وَنَقَلَ هَذَا التَّوْجِيهَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ سِيبَوَيْهِ. وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْمُبَرِّدُ وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ] (?) .
قَالَ: {وَالْيَتَامَى} وَهُمُ: الصِّغَارُ الَّذِينَ لَا كَاسِبَ لَهُمْ مِنَ الْآبَاءِ. [وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْيَتِيمُ فِي بَنِي آدَمَ مِنَ الْآبَاءِ، وَفِي الْبَهَائِمِ مِنَ الْأُمِّ، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْيَتِيمَ أُطْلِقَ فِي بَنِي آدَمَ مِنَ الْأُمِّ أَيْضًا] (?) {وَالْمَسَاكِينَ} الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَافِ عِنْدَ آيَةِ النِّسَاءِ، التِي أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهَا صَرِيحًا فِي قَوْلِهِ: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} الْآيَةَ [النِّسَاءِ: 36] .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} أَيْ: كَلِّمُوهُمْ طَيِّبًا، ولينُوا لَهُمْ جَانِبًا، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ بِالْمَعْرُوفِ، كَمَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي قَوْلِهِ: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} فالحُسْن مِنَ الْقَوْلِ: يأمُر بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيَحْلُمُ، وَيَعْفُو، وَيَصْفَحُ، وَيَقُولُ لِلنَّاسِ حُسْنًا كَمَا قَالَ اللَّهُ، وَهُوَ كُلُّ خُلُق حَسَنٍ رَضِيَهُ اللَّهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الخَزَّاز، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الجَوْني، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَالْقَ أَخَاكَ بِوَجْهٍ مُنْطَلِقٍ (?) ".
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَالتِّرْمِذِيُّ [وَصَحَّحَهُ] (?) مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَامِرٍ الْخَزَّازِ، وَاسْمُهُ صَالِحُ بْنُ رُسْتُمَ، بِهِ (?) .
وَنَاسَبَ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِأَنْ يَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا، بَعْدَ مَا أَمَرَهُمْ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ بِالْفِعْلِ، فَجَمَعَ بَيْنَ طَرَفَيِ الْإِحْسَانِ الْفِعْلِيِّ وَالْقَوْلِيِّ. ثُمَّ أَكَّدَ الْأَمْرَ بِعِبَادَتِهِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ بالمُعيّن (?) مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ، فَقَالَ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ تَوَلَّوْا عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، أَيْ: تَرَكُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَأَعْرَضُوا عَنْهُ عَلَى عَمْدٍ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ، إِلَّا الْقَلِيلَ مِنْهُمْ، وَقَدْ أَمَرَ تَعَالَى هَذِهِ الْأُمَّةَ بِنَظِيرِ ذَلِكَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، بِقَوْلِهِ: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا} [النساء: 36]