وَقَالَ وَهْب بْنُ منَبِّه: هُوَ إِلْيَاسُ بْنُ يَاسِينَ (?) بْنِ فِنْحَاصَ بْنِ الْعَيْزَارِ بْنِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ، بَعَثَهُ اللَّهُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ حِزْقِيلَ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَكَانُوا قَدْ عَبَدُوا صَنَمًا يُقَالُ لَهُ: "بَعْلٌ"، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ. وَكَانَ قَدْ آمَنَ بِهِ مَلِكُهُمْ ثُمَّ ارْتَدَّ (?) ، وَاسْتَمَرُّوا عَلَى ضَلَالَتِهِمْ، وَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ مِنْهُمْ أَحَدٌ. فَدَعَا اللَّهَ عَلَيْهِمْ.
فَحَبَسَ عَنْهُمُ الْقَطْرَ ثَلَاثَ سِنِينَ، ثُمَّ سَأَلُوهُ أَنْ يَكْشِفَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَوَعَدُوهُ (?) الْإِيمَانَ بِهِ إِنْ هُمْ أَصَابَهُمُ الْمَطَرُ. فَدَعَا اللَّهَ لَهُمْ، فَجَاءَهُمُ الْغَيْثُ فَاسْتَمَرُّوا عَلَى أَخْبَثِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ، فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَقْبِضَهُ إِلَيْهِ. وَكَانَ قَدْ نَشَأَ عَلَى يَدَيْهِ الْيَسَعُ بْنُ أَخْطُوبَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأُمِرَ إِلْيَاسُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَمَهْمَا جَاءَهُ فَلْيَرْكَبْهُ وَلَا يَهَبْهُ، فَجَاءَتْهُ فَرَسٌ مِنْ نَارٍ فَرَكِبَ (?) ، وَأَلْبَسَهُ اللَّهُ النُّورَ وَكَسَاهُ الرِّيشَ، وَكَانَ يَطِيرُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ مَلَكًا إِنْسِيًّا سَمَاوِيًّا أَرْضِيًّا، هَكَذَا حَكَاهُ وَهْبٌ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ.
{إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ} أَيْ: أَلَا تَخَافُونَ اللَّهَ فِي عِبَادَتِكُمْ غَيْرَهُ؟ .
{أَتَدْعُونَ بَعْلا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ: {بَعْلا} يَعْنِي: رَبًّا.
قَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ: وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْيَمَنِ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هِيَ لُغَةُ أَزْدِ شَنُوءَةَ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ امْرَأَةً اسْمُهَا: "بَعْلٌ".
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ: هُوَ اسْمُ صَنَمٍ كَانَ يَعْبُدُهُ أَهْلُ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا: "بَعْلَبَكُّ"، غَرْبِيَّ دِمَشْقَ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ صَنَمٌ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ.
وَقَوْلُهُ: {أَتَدْعُونَ بَعْلا} أَيْ: أَتَعْبُدُونَ صَنَمًا؟ {وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ} أَيْ: هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} أَيْ لِلْعَذَابِ يَوْمَ الْحِسَابِ.
{إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} أَيِ: الْمُوَحِّدِينَ مِنْهُمْ. وَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ مِنْ مُثْبَتٍ.
وَقَوْلُهُ: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ} أَيْ: ثَنَاءً جَمِيلًا.
{سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} كَمَا يُقَالُ فِي إِسْمَاعِيلَ: إِسْمَاعِينُ. وَهِيَ لُغَةُ بَنِي أَسَدٍ. وَأَنْشَدَ بَعْضُ بَنِي نُمَيْرٍ فِي ضَبِّ صَادَه.
يَقُولُ رَبّ السُّوقِ لَمَّا جِينَا ... هَذَا وربِّ الْبَيْتِ إسْرَائينا (?)
وَيُقَالُ: مِيكَالُ، وَمِيكَائِيلُ، وَمِيكَائِينُ، وَإِبْرَاهِيمُ وَإِبْرَاهَامُ، وَإِسْرَائِيلُ وَإِسْرَائِينُ، وَطُورُ سَيْنَاءَ، وَطُورُ سِينِينَ. وَهُوَ مَوْضِعٌ وَاحِدٌ، وَكُلُّ هَذَا سَائِغٌ (?)
وَقَرَأَ آخَرُونَ: "سَلَامٌ عَلَى إِدْرَاسِينَ"، وَهِيَ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. وَآخَرُونَ: " سَلامٌ عَلَى آلْ يَاسِينَ" يَعْنِي: آلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَوْلُهُ: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} قد تقدم تفسيره (?) .
{