وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ. وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ نَظْمُهُ لَا إِنْشَادُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. عَلَى أَنَّ الشِّعْرَ فِيهِ مَا هُوَ مَشْرُوعٌ، وَهُوَ هِجَاءُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِي كَانَ يَتَعَاطَاهُ شُعَرَاءُ الْإِسْلَامِ، كَحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحة، وَأَمْثَالِهِمْ وَأَضْرَابِهِمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. وَمِنْهُ مَا فِيهِ حِكَمٌ وَمَوَاعِظُ وَآدَابٌ، كَمَا يُوجَدُ فِي شِعْرِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمِنْهُمْ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ الَّذِي قال فيه النبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "آمَنَ شِعْرُهُ وَكَفَرَ قَلْبُهُ". (?) وَقَدْ أَنْشَدَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مِنْهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةَ بَيْتٍ، يَقُولُ عَقِبَ كُلِّ بَيْتٍ: "هِيهِ". يَعْنِي يَسْتَطْعِمُهُ، فَيَزِيدُهُ مِنْ ذَلِكَ. (?)

وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أُبي بْنِ كَعْبٍ، وبُريدة بْنِ الحُصَيْب (?) ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا، وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا" (?) .

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} يَعْنِي: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عَلَّمَهُ اللَّهُ شِعْرًا، {وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} أَيْ: وَمَا يَصْلُحُ لَهُ، {إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} أَيْ: مَا هَذَا الَّذِي عَلَّمْنَاهُ، {إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} أَيْ: بَيِّنٌ وَاضِحٌ جَلِيٌّ لِمَنْ تَأْمَّلَهُ وَتَدَبَّرَهُ. وَلِهَذَا قَالَ: {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} أَيْ: لِيُنْذِرَ هَذَا الْقُرْآنُ الْبَيِّنُ كُلَّ حَيٍّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، كَقَوْلِهِ: {لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الْأَنْعَامِ: 19] ، وَقَالَ: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [هُودٍ: 17] . وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِنِذَارَتِهِ مَنْ هُوَ حَيّ الْقَلْبِ، مُسْتَنِيرُ الْبَصِيرَةِ، كَمَا قَالَ قَتَادَةُ: حَيُّ الْقَلْبِ، حَيُّ الْبَصَرِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَعْنِي: عَاقِلًا {وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} أَيْ: هُوَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِ، وَحُجَّةٌ عَلَى الكافر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015