وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الْأَنْعَامِ: 53] ؟ وَقَالَ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا} [الْأَنْعَامِ: 122] وَقَالَ: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا [فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ (?) ] } [الْإِسْرَاءِ: 16] . وَقَالَ هَاهُنَا: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ} أَيْ: نَبِيٍّ أَوْ رَسُولٍ {إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا} ، وَهُمْ أُولُو النِّعْمَةِ وَالْحِشْمَةِ وَالثَّرْوَةِ والرياسة.
قال قتادة: هم جَبَابرتهم وقادتهم ورؤوسهم فِي الشَّرِّ. {إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونََ} أَيْ: لَا نُؤْمِنُ بِهِ وَلَا نَتَّبِعُهُ.
قَالَ (?) ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الحسين، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِين قَالَ: كَانَ رَجُلَانِ شَرِيكَانِ (?) خَرَجَ أَحَدُهُمَا إِلَى السَّاحِلِ وَبَقِيَ الْآخَرُ، فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى صَاحِبِهِ يَسْأَلُهُ: مَا فَعَلَ؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَتْبَعْهُ أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ، إِنَّمَا (?) اتَّبَعَهُ أَرَاذِلُ (?) النَّاسِ وَمَسَاكِينُهُمْ. قَالَ: فَتَرَكَ تِجَارَتَهُ ثُمَّ أَتَى صَاحِبَهُ فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَيْهِ -قَالَ: وَكَانَ يَقْرَأُ الْكُتُبَ، أَوْ بَعْضَ الْكُتُبِ-قَالَ: فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِلَامَ تَدْعُو؟ قَالَ: "إِلَى كَذَا وَكَذَا". قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: "وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ؟ " قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ نَبِيٌّ إِلَّا اتَّبَعَهُ رُذَالة النَّاسِ وَمَسَاكِينُهُمْ. قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (?) : {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} ] الْآيَاتِ] (?) ، قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ تَصْدِيقَ مَا قُلْتَ". (?)
وَهَكَذَا قَالَ هِرَقْلُ لِأَبِي سُفْيَانَ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ تِلْكَ الْمَسَائِلَ، قَالَ فِيهَا: وَسَأَلْتُكَ: أَضُعَفَاءُ النَّاسِ اتَّبَعَهُ أَمْ أَشْرَافُهُمْ فَزَعَمْتَ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنِ الْمُتْرَفِينَ الْمُكَذِّبِينَ: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينََ} أَيِ: افْتَخَرُوا بِكَثْرَةِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، وَاعْتَقَدُوا أَنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ لَهُمْ وَاعْتِنَائِهِ بِهِمْ، وَأَنَّهُ مَا كَانَ لِيُعْطِيَهُمْ هَذَا فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ يُعَذِّبُهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَهَيْهَاتَ لَهُمْ ذَلِكَ. قَالَ اللَّهُ: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ. نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 55، 56] وَقَالَ: {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التَّوْبَةِ: 55] ، (?) وَقَالَ تَعَالَى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا. وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا. وَبَنِينَ شُهُودًا. وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا. ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ. كَلا إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا. سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا.} [المدثر: 11-17] .