كَانَتْ سَبَأٌ ملوكَ الْيَمَنِ وَأَهْلَهَا، وَكَانَتِ التَّبَابِعَةُ مِنْهُمْ، وَبِلْقِيسُ -صَاحِبَةُ سُلَيْمَانَ-مِنْهُمْ (?) ، وَكَانُوا فِي نِعْمَةٍ وَغِبْطَةٍ فِي بِلَادِهِمْ، وَعَيْشِهِمْ وَاتِّسَاعِ أَرْزَاقِهِمْ وَزُرُوعِهِمْ وَثِمَارِهِمْ. وَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمُ الرُّسُلَ تَأْمُرُهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ، وَيَشْكُرُوهُ (?) بِتَوْحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ، فَكَانُوا كَذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَعْرَضُوا عَمَّا أُمِرُوا بِهِ، فَعُوقِبُوا بِإِرْسَالِ السَّيْلِ وَالتَّفَرُّقِ فِي الْبِلَادِ أَيْدِيَ سَبَأٍ، شَذَرَ مَذرَ، كَمَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ وَبَيَانُهُ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ الثِّقَةُ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرة، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلة قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ (?) : أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبَأٍ: مَا هُوَ؟ رَجُلٌ (?) أَمِ امْرَأَةٌ أَمْ أَرْضٌ؟ قَالَ: "بَلْ هُوَ رَجُلٌ، وَلَدَ عَشَرة (?) ، فَسَكَنَ الْيَمَنَ مِنْهُمْ سِتَّةٌ، وَبِالشَّامِ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ، فَأَمَّا الْيَمَانِيُّونَ: فَمَذْحِجُ، وكِنْدَةُ، وَالْأَزْدُ، وَالْأَشْعَرِيُّونَ، وَأَنْمَارٌ، وَحِمْيَرُ. وَأَمَّا الشَّامِيَّةُ فَلَخْمُ، وَجُذَامُ، وَعَامِلَةُ، وَغَسَّانُ.
وَرَوَاهُ عَبد، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى، عَنِ ابْنِ لَهِيعة، بِهِ (?) . وَهَذَا إِسْنَادٌ (?) حَسَنٌ، وَلَمْ يُخْرِّجُوهُ، [وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ] (?) . وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ "الْقَصْدِ والأمَمْ، بِمَعْرِفَةِ أُصُولِ أَنْسَابِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ"، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَعْلَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.
وَقَالَ [الْإِمَامُ] أَحْمَدُ (?) أَيْضًا وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَنَاب يَحْيَى بْنُ أَبِي حيَّة الْكَلْبِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ هَانِئِ بْنِ عُرْوَة، عَنْ فَرْوَةَ بْنِ مُسيَك قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَلَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُقَاتِلُ بِمُقْبِلِ قَوْمِي مُدْبِرَهُمْ؟ قَالَ: "نَعَمْ، فَقَاتِلْ بِمُقْبِلِ قَوْمِكَ مُدْبِرَهُمْ". فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي فَقَالَ: "لَا تُقَاتِلْهُمْ حَتَّى تَدْعُوَهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ سَبَأً؛ أَوَادٍ هُوَ، أَوْ رَجُلٌ (?) ، أَوْ مَا هُوَ؟ قَالَ: " [لَا] (?) ، بَلْ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ، وُلِدَ لَهُ عَشْرَةٌ فَتَيَامَنَ سِتَّةٌ وَتَشَاءَمَ أَرْبَعَةٌ، تَيَامَنَ الْأَزْدُ، وَالْأَشْعَرِيُّونَ، وَحِمْيَرُ، وَكِنْدَةُ، وَمَذْحِجُ، وَأَنْمَارُ الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمْ: بَجِيلَةُ وَخَثْعَمُ. وَتَشَاءَمَ لَخْمٌ، وَجُذَامٌ، وَعَامِلَةُ، وغسَّان".
وَهَذَا أَيْضًا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ (?) وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَبُو جَنَاب الْكَلْبِيُّ، وَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ (?) . لَكِنْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي كُرَيْب، عَنْ العَنْقَزِي (?) ، عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ نَصْرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ هَانِئٍ الْمُرَادِيِّ، عَنْ عَمِّهِ أَوْ عَنْ أَبِيهِ -يَشُكُّ أَسْبَاطٌ-قَالَ: قَدِمَ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيك عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ. (?)
طَرِيقٌ أُخْرَى لِهَذَا الْحَدِيثِ: قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عبد الأعلى، حدثنا ابن وَهْبٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ تَوْبَةَ بْنِ نَمر (?) ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ يَحْيَى أَنَّهُ أخبره قال: كنا عند عبيدة (?)