وَرَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ، مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ - (?) وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ بَعْدَ قَوْلِهِ: فَلَا تَلُمْنِي (?) فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ: يَعْنِي الْقَلْبَ. وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَرِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ. وَلِهَذَا عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا} أَيْ: بِضَمَائِرِ السَّرَائِرِ، {حَلِيمًا} أَيْ: يَحْلُمُ وَيَغْفِرُ.
{لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52) } .
ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ -كَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَقَتَادَةَ، وَابْنِ زَيْدٍ، وَابْنِ جَرِيرٍ، وَغَيْرِهِمْ -أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ مُجَازَاةً لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِضًا عَنْهُنَّ، عَلَى حُسْنِ صَنِيعِهِنَّ فِي اخْتِيَارِهِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، لَمَّا خَيَّرَهُنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْآيَةِ. فَلَمَّا اخْتَرْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ جَزَاؤُهُنَّ أَنَّ [اللَّهَ] (?) قَصَره عَلَيْهِنَّ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِنَّ، أَوْ يَسْتَبْدِلَ بِهِنَّ أَزْوَاجًا غَيْرَهُنَّ، وَلَوْ أَعْجَبَهُ حُسْنُهُنَّ إِلَّا الْإِمَاءَ وَالسِّرَارِيَ فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِيهِنَّ. ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى رَفَعَ عَنْهُ الْحَجْرَ (?) فِي ذَلِكَ وَنَسَخَ حُكْمَ هَذِهِ الْآيَةَ، وَأَبَاحَ لَهُ التَّزَوُّجَ (?) ، وَلَكِنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ تَزَوّج لِتَكُونَ الْمِنَّةُ لِلرَّسُولِ (?) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِنَّ.
قَالَ (?) الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أَحِلَّ اللَّهُ لَهُ النِّسَاءَ (?) .
وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْج، عَنْ عَطاء، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ (?) ، عَنْ عَائِشَةَ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا (?) .
وَقَالَ (?) ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شَيْبَةَ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيُّ (?) ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ (?) ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبِ بْنِ زَمْعَة، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمْ يَمُتْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أحلَّ اللَّهُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنَ النِّسَاءِ مَا شَاءَ، إِلَّا ذَاتَ مَحْرَمٍ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} .
فَجُعِلَتْ هَذِهِ نَاسِخَةً لِلَّتِي بَعْدَهَا فِي التِّلَاوَةِ، كَآيَتِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ فِي الْبَقَرَةِ، الْأُولَى نَاسِخَةٌ لِلَّتِي بَعْدَهَا، والله (?) أعلم.