وَقَوْلُهُ: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا} أَيْ: عِنْدَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، كَقَوْلِهِ: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الرُّومِ:17، 18]
وَقَوْلُهُ: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} : هَذَا تَهْيِيجٌ إِلَى الذِّكْرِ، أَيْ: إِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَذْكُرُكُمْ فَاذْكُرُوهُ أَنْتُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ. فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [الْبَقَرَةِ: 151، 152] . وَقَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقُولُ اللَّهُ: مَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، ومَنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ" (?)
وَالصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ ثَنَاؤُهُ عَلَى الْعَبْدِ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ، حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ. وَرَوَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْهُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: الصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ: الرَّحْمَةُ [وَرَدَّ بِقَوْلِهِ: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} ] (?)
وَقَدْ يُقَالُ: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الصَّلَاةُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَبِمَعْنَى الدُّعَاءِ لِلنَّاسِ وَالِاسْتِغْفَارِ (?) ، كَقَوْلِهِ: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} الْآيَةَ. [غَافِرٍ: 7-9] .
وَقَوْلُهُ: {لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} أَيْ: بِسَبَبِ رَحْمَتِهِ بِكُمْ وَثَنَائِهِ عَلَيْكُمْ، وَدُعَاءِ مَلَائِكَتِهِ لَكُمْ، يُخْرِجُكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ إِلَى نُورِ الْهُدَى وَالْيَقِينِ. {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} أَيْ: فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَمَّا فِي الدُّنْيَا: فَإِنَّهُ هَدَاهُمْ إِلَى الْحَقِّ الَّذِي جَهِلَهُ غَيْرُهُمْ، وبَصّرهم الطَّرِيقَ الَّذِي ضَلَّ عَنْهُ وَحَادَ عَنْهُ مِنْ سِوَاهُمْ مِنَ الدُّعَاةِ إِلَى الْكَفْرِ أَوِ الْبِدْعَةِ وَأَشْيَاعِهِمْ (?) مِنَ الطَّغَامِ (?) . وَأَمَّا رَحْمَتُهُ بِهِمْ فِي الْآخِرَةِ: فَآمَنَهُمْ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَأَمَرَ مَلَائِكَتَهُ يَتَلَقَّوْنَهُمْ بِالْبِشَارَةِ بِالْفَوْزِ بِالْجَنَّةِ وَالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَحَبَّتِهِ لَهُمْ وَرَأْفَتِهِ بِهِمْ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَصَبِيٍّ فِي الطَّرِيقِ، فَلَمَّا رَأَتْ أُمُّهُ الْقَوْمَ خَشِيَتْ عَلَى وَلَدِهَا أَنْ يُوطَأَ، فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى وَتَقُولُ: ابْنَيِ ابْنِي، وَسَعَت فَأَخَذَتْهُ، فَقَالَ الْقَوْمُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كَانَتْ