أَذِلَّةً صَاغِرِينَ. وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ وَالرَّبِيعِ، وَأَبِي مَالِكٍ، نَحْوُهُ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا افْتَرَضَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الْيَوْمَ الَّذِي افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فِي عِيدِكُمْ -يَوْمَ الْجُمُعَةِ-فَخَالَفُوا إِلَى (?) السَّبْتِ فَعَظَّمُوهُ، وَتَرَكُوا مَا أُمِرُوا بِهِ. فَلَمَّا أَبَوْا إِلَّا لُزُومَ السَّبْتِ ابْتَلَاهُمُ اللَّهُ فِيهِ، فَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ مَا أَحَلَّ لَهُمْ فِي غَيْرِهِ. وَكَانُوا فِي قَرْيَةٍ بَيْنَ أَيْلَةَ وَالطُّورِ، يُقَالُ لَهَا: "مَدْيَنُ"؛ فَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي السَّبْتِ الْحِيتَانَ: صَيْدَهَا وَأَكْلَهَا. وَكَانُوا إِذَا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ أَقْبَلَتْ إِلَيْهِمْ شُرَّعًا إِلَى سَاحِلِ بَحْرِهِمْ، حَتَّى إِذَا ذَهَبَ السَّبْتُ ذَهَبْنَ، فَلَمْ يَرَوْا حُوتًا صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا. حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ أَتَيْنَ شُرَّعًا، حَتَّى إِذَا ذَهَبَ السَّبْتُ ذَهَبْنَ، فَكَانُوا كَذَلِكَ، حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ وَقَرِمُوا إِلَى الْحِيتَانِ، عَمَدَ رَجُلٌ (?) مِنْهُمْ فَأَخَذَ حُوتًا سِرًّا يَوْمَ السَّبْتِ، فَخَزَمَهُ بِخَيْطٍ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِي الْمَاءِ، وَأَوْتَدَ لَهُ وَتَدًا فِي السَّاحِلِ فَأَوْثَقَهُ، ثُمَّ تَرَكَهُ. حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ جَاءَ فَأَخَذَهُ، أَيْ: إِنِّي لَمْ آخُذْهُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِ فَأَكَلَهُ. حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ الْآخَرِ، عَادَ لِمِثْلِ ذَلِكَ، وَوَجَدَ النَّاسُ رِيحَ الْحِيتَانِ، فَقَالَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ: وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْنَا رِيحَ الْحِيتَانِ، ثُمَّ عَثَرُوا عَلَى صَنِيعِ (?) ذَلِكَ الرَّجُلِ. قَالَ: فَفَعَلُوا كَمَا فَعَلَ، وَصَنَعُوا (?) سِرًّا زَمَانًا طَوِيلًا لَمْ يُعَجِّلِ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعُقُوبَةَ (?) حَتَّى صادوها علانية وباعوها في بِالْأَسْوَاقِ (?) . فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَقِيَّةِ: وَيَحْكَمُ، اتَّقُوا اللَّهَ. وَنَهَوْهُمْ عَمَّا يَصْنَعُونَ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ تَأْكُلِ الْحِيتَانَ، وَلَمْ تَنْهَ الْقَوْمَ عَمَّا صَنَعُوا: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} لِسُخْطِنَا أَعْمَالَهُمْ {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الْأَعْرَافِ: 164] .

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ أَصْبَحَتْ تِلْكَ الْبَقِيَّةُ فِي أَنْدِيَتِهِمْ وَمَسَاجِدِهِمْ وَفَقَدُوا النَّاسَ فَلَمْ يَرَوْنَهُمْ قَالَ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ لِلنَّاسِ لَشَأْنًا! فَانْظُرُوا مَا هُوَ. فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ فِي دُورِهِمْ، فَوَجَدُوهَا مُغْلَقَةً عَلَيْهِمْ، قَدْ دَخَلُوهَا لَيْلًا فَغَلَّقُوهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، كَمَا يُغْلِقُ النَّاسُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَأَصْبَحُوا فِيهَا قِرَدَةً، وَإِنَّهُمْ لَيَعْرِفُونَ الرَّجُلَ بِعَيْنِهِ وَإِنَّهُ لَقِرْدٌ، وَالْمَرْأَةَ بِعَيْنِهَا وَإِنَّهَا لَقِرْدَةٌ، وَالصَّبِيَّ بِعَيْنِهِ وَإِنَّهُ لَقِرْدٌ. قَالَ: يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَوْلَا مَا ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ أَنْجَى الَّذِينَ نَهَوْا عَنِ السُّوءِ لَقُلْنَا (?) أَهْلَكَ الْجَمِيعَ مِنْهُمْ، قَالَ: وَهِيَ الْقَرْيَةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} الْآيَةَ [الْأَعْرَافِ: 163] . وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوًا مِنْ هَذَا.

قَالَ (?) السُّدِّيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} قَالَ: فَهُمْ أَهْلُ "أَيْلَةَ"، وَهِيَ الْقَرْيَةُ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ، فَكَانَتِ الْحِيتَانُ إِذَا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ -وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الْيَهُودِ أَنْ يَعْمَلُوا (?) فِي السَّبْتِ شَيْئًا-لَمْ يبق في البحر حوت إلا خرج،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015