وَقَالَ قَتَادَةُ: أَمَّا عِنْدَ الْغَنِيمَةِ فَأَشَحُّ قَوْمٍ، وَأَسْوَأُهُ مُقَاسِمَةً: أَعْطُونَا، أَعْطُونَا، قَدْ (?) شَهِدْنَا مَعَكُمْ. وَأَمَّا عِنْدَ الْبَأْسِ فَأَجَبْنُ قَوْمٍ، وَأَخْذُلُهُ لِلْحَقِّ.
وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ أَشِحَّةٌ عَلَى الْخَيْرِ، أَيْ: لَيْسَ فِيهِمْ خَيْرٌ، قَدْ جَمَعُوا الْجُبْنَ وَالْكَذِبَ وَقِلَّةَ الْخَيْرِ، فَهُمْ (?) كَمَا قَالَ فِي أَمْثَالِهِمُ الشَّاعِرُ (?) :
أَفِي السِّلْمِ أعْيَارًا (?) جَفَاءً وغلظَةً ... وَفي الحَربْ أمْثَالَ النِّسَاء العَوَاركِ ...
أَيْ: فِي حَالِ الْمُسَالِمَةِ كَأَنَّهُمُ الْحَمِيرُ. وَالْأَعْيَارُ: جَمْعُ عِيرٍ، وَهُوَ الْحِمَارُ، وَفِي الْحَرْبِ كَأَنَّهُمُ النِّسَاءُ الحُيَّض؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} أَيْ: سَهْلًا هَيِّنًا عِنْدَهُ.
{يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الأحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلا قَلِيلا (20) } .
وَهَذَا أَيْضًا مِنْ صِفَاتِهِمُ الْقَبِيحَةِ فِي الْجُبْنِ وَالْخَوْفِ وَالْخَوْرِ، {يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا} بَلْ هُمْ قَرِيبٌ مِنْهُمْ، وَإِنَّ لَهُمْ عَوْدَةً إِلَيْهِمْ {وَإِنْ يَأْتِ الأحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ} أَيْ: ويَوَدّون إِذَا جَاءَتِ الْأَحْزَابُ أَنَّهُمْ لَا يَكُونُونَ (?) حَاضِرِينَ مَعَكُمْ فِي الْمَدِينَةِ بَلْ فِي الْبَادِيَةِ، يَسْأَلُونَ عَنْ أَخْبَارِكُمْ، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ مَعَ عَدُوِّكُمْ، {وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلا قَلِيلا} أَيْ: وَلَوْ كَانُوا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، لَمَا قَاتَلُوا مَعَكُمْ إِلَّا قَلِيلًا؛ لِكَثْرَةِ جُبْنِهِمْ وَذِلَّتِهِمْ وَضَعْفِ يَقِينِهِمْ.
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) } .
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي التَّأَسِّي بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ؛ وَلِهَذَا أُمِرَ النَّاسُ بِالتَّأَسِّي بِالنَّبِيِّ (?) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، فِي صَبْرِهِ وَمُصَابَرَتِهِ وَمُرَابَطَتِهِ وَمُجَاهَدَتِهِ وَانْتِظَارِهِ الْفَرَجَ مِنْ رَبِّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى لِلَّذِينِ تَقَلَّقُوا وَتَضْجَّرُوا وَتَزَلْزَلُوا وَاضْطَرَبُوا فِي أَمْرِهِمْ يَوْمَ الْأَحْزَابِ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} أَيْ: هَلَّا اقْتَدَيْتُمْ بِهِ وَتَأَسَّيْتُمْ بِشَمَائِلِهِ؟ وَلِهَذَا قَالَ: {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُصَدِّقِينَ بِمَوْعُودِ اللَّهِ لَهُمْ، وجَعْله العاقبةَ حَاصِلَةً لهم في