عَنِ الْحَسَنِ العُرَني، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُغَيْلِمَةَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى حُمُرَات لَنَا مِنْ جَمْع، فَجَعَلَ يَلْطَخ أَفْخَاذَنَا وَيَقُولُ: "أُبَيْنيّ لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ (?) حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ " (?) . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ: "أُبَيْنيّ" تَصْغِيرُ بَنِيَّ (?) . وَهَذَا ظَاهِرُ الدَّلَالَةِ، فَإِنَّ هَذَا كَانَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ، وَقَوْلُهُ: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} فِي شَأْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَقَدْ قُتِلَ فِي يَوْمِ مُؤْتَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَأَيْضًا فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانة الْوَضَّاحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ اليَشْكُري، عَنِ الجَعْد أَبِي عُثْمَانَ الْبَصْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا بُني". وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ (?) .
وَقَوْلُهُ: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} : أَمَرَ [اللَّهُ] (?) تَعَالَى بِرَدِّ أَنْسَابِ الْأَدْعِيَاءِ إِلَى آبَائِهِمْ، إِنْ عُرِفُوا، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا (?) آبَاءَهُمْ، فَهُمْ إِخْوَانُهُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيهِمْ، أَيْ: عِوَضًا عَمَّا فَاتَهُمْ مِنَ النَّسَبِ. وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ عَامَ عُمرة الْقَضَاءِ، وَتَبِعَتْهُمُ ابْنَةُ حَمْزَةَ تُنَادِي: يَا عَمِّ، يَا عَمِّ. فَأَخَذَهَا عَلِيٌّ وَقَالَ لِفَاطِمَةَ: دونَك ابْنَةَ عَمّك فَاحْتَمِلِيهَا (?) . فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ، وَزَيْدٌ، وَجَعْفَرٌ فِي أَيِّهِمْ يَكْفُلُهَا، فَكُلٌّ أَدْلَى بِحُجَّةٍ (?) ؛ فَقَالَ عَلِيٌّ: أنا أحق بها وهي ابنة عميس -وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي. وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: ابْنَةُ عَمِّي، وَخَالَتُهَا تَحْتِي -يَعْنِي أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ. فَقَضَى النَّبِيُّ (?) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالَتِهَا، وَقَالَ: "الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ". وقال لعلي: "أنت مني، وأنا منك". وقال لجعفر: "أشبهت خَلْقي وخُلُقي". وقال لزيد: "أنت أَخُونَا وَمَوْلَانَا" (?) .
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ مَنْ أَحْسَنِهَا: أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (?) حَكَمَ بِالْحَقِّ، وَأَرْضَى كُلًّا مِنَ الْمُتَنَازِعِينَ، وَقَالَ لِزَيْدٍ: "أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا"، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّة، عَنْ عُيَيْنَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرَة: قَالَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} ، فَأَنَا مِمَّنْ لَا يُعرَف أَبُوهُ، وَأَنَا مِنْ إِخْوَانِكُمْ فِي الدِّينِ. قَالَ أُبَيٌّ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ حِمَارًا لانتمى (?) إليه.