فَإِنَّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ [ابْنُ عَبَّاسٍ] (?) إِخْبَارٌ عَنْ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ طَرِيقَةً وَلَا عَمَلًا إِلَّا مَا كَانَ مُوَافِقًا لِشَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ بَعَثَهُ [اللَّهُ] (?) بِمَا بَعَثَهُ بِهِ، فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَكُلُّ مَنِ اتَّبَعَ الرَّسُولَ فِي زَمَانِهِ فَهُوَ عَلَى هُدًى وَسَبِيلٍ وَنَجَاةٍ، فَالْيَهُودُ أَتْبَاعُ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، الَّذِينَ كَانُوا يَتَحَاكَمُونَ إِلَى التَّوْرَاةِ فِي زَمَانِهِمْ.
وَالْيَهُودُ مِنَ الْهَوَادَةِ وَهِيَ الْمَوَدَّةُ أَوِ التَّهَوُّدُ وَهِيَ التَّوْبَةُ؛ كَقَوْلِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [الْأَعْرَافِ: 156] أَيْ: تُبْنَا، فَكَأَنَّهُمْ سُمُّوا بِذَلِكَ فِي الْأَصْلِ لِتَوْبَتِهِمْ وَمَوَدَّتِهِمْ فِي بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ.
[وَقِيلَ: لِنِسْبَتِهِمْ إِلَى يَهُوذَا أَكْبَرِ أَوْلَادِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: لِأَنَّهُمْ يَتَهَوَّدُونَ، أَيْ: يَتَحَرَّكُونَ عِنْدَ قِرَاءَةِ التَّوْرَاةِ] (?) .
فَلَمَّا بُعِثَ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (?) وَجَبَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ اتِّبَاعُهُ وَالِانْقِيَادُ لَهُ، فَأَصْحَابُهُ وَأَهْلُ دِينِهِ هُمُ النَّصَارَى، وَسُمُّوا بِذَلِكَ لِتَنَاصُرِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَقَدْ يُقَالُ لَهُمْ: أَنْصَارٌ أَيْضًا، كَمَا قَالَ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} [آلِ عِمْرَانَ: 52] وَقِيلَ: إِنَّهُمْ إِنَّمَا سُمّوا بِذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ نَزَلُوا أَرْضًا يُقَالُ لَهَا نَاصِرَةٌ، قَالَهُ قَتَادَةُ وَابْنُ جُرَيج، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالنَّصَارَى: جَمْعُ نَصْرَانَ (?) كَنَشَاوَى جَمْعُ نَشْوَانَ، وَسُكَارَى جَمْعُ سَكْرَانَ، وَيُقَالُ لِلْمَرْأَةِ: نَصْرَانَةٌ، قَالَ الشَّاعِرُ:
نَصْرَانَةٌ لَمْ تَحَنَّفِ (?)
فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا لِلنَّبِيِّينَ، وَرَسُولًا إِلَى بَنِي آدَمَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَجَبَ عَلَيْهِمْ تصديقُه فِيمَا أَخْبَرَ، وَطَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ، وَالِانْكِفَافُ عَمَّا عَنْهُ زَجَرَ. وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ [حَقًّا] (?) . وَسُمِّيَتْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤْمِنِينَ لِكَثْرَةِ إِيمَانِهِمْ وَشِدَّةِ إِيقَانِهِمْ، وَلِأَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ الْمَاضِيَةِ وَالْغُيُوبِ الْآتِيَةِ. وَأَمَّا الصَّابِئُونَ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِمْ؛ فَقَالَ سفيان الثَّوْرِيُّ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ