43

وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمَ صَالَح مَلِكَ أَيْلَةَ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِبَحْرِهِ، يَعْنِي: بِبَلَدِهِ.

وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} أَيْ: بَانَ النَّقْصُ فِي (?) الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ بِسَبَبِ الْمَعَاصِي.

وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: مَنْ عَصَى اللَّهَ فِي الْأَرْضِ فَقَدْ أَفْسَدَ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ صَلَاحَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ بِالطَّاعَةِ؛ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ: "لَحَدٌّ يُقَامُ فِي الْأَرْضِ أَحَبُّ إِلَى أَهْلِهَا مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا" (?) . وَالسَّبَبُ فِي هَذَا أَنَّ الْحُدُودَ إِذَا أُقِيمَتْ، انْكَفَّ النَّاسُ -أَوْ أَكْثَرُهُمْ، أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ -عَنْ تَعَاطِي الْمُحَرَّمَاتِ، وَإِذَا ارْتُكِبَتِ الْمَعَاصِي كَانَ سَبَبًا فِي مِحَاقِ (?) الْبَرَكَاتِ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ؛ وَلِهَذَا إِذَا نَزَلَ عِيسَى [ابْنُ مَرْيَمَ] (?) عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَحَكَمَ بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، مِنْ قَتْلِ الْخِنْزِيرِ وَكَسْرِ الصَّلِيبِ وَوَضْعِ الْجِزْيَةِ، وَهُوَ تَرْكُهَا -فَلَا يَقْبَلُ إِلَّا الْإِسْلَامَ أَوِ السَّيْفَ، فَإِذَا أَهْلَكَ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الدَّجَّالَ وَأَتْبَاعَهُ وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، قِيلَ لِلْأَرْضِ: أَخْرِجِي بَرَكَاتِكِ. فَيَأْكُلُ مِنَ الرُّمَّانَةِ الفئَام مِنَ النَّاسِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بقَحْفها، وَيَكْفِي لَبَنُ اللِّقْحَةِ الجماعةَ مِنَ النَّاسِ. وَمَا ذَاكَ إِلَّا بِبَرَكَةِ تَنْفِيذِ شَرِيعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكُلَّمَا أُقِيمَ الْعَدْلُ كَثُرَتِ الْبَرَكَاتُ وَالْخَيْرُ؛ [وَلِهَذَا] (?) ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: (?) "إنَّ الْفَاجِرَ إِذَا مَاتَ تَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ، وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ" (?) .

وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ وَالْحُسَيْنُ قَالَا حَدَّثَنَا عَوْف، عَنْ أَبِي قَحْذَمٍ قَالَ (?) : وَجَدَ رَجُلٌ فِي زَمَانِ زِيَادٍ -أَوِ: ابْنِ زِيَادٍ -صُرَّةً فِيهَا حَبّ، يَعْنِي مِنْ بُرٍّ أَمْثَالِ النَّوَى، عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ: هَذَا نَبَتَ فِي زَمَانٍ كَانَ يُعْمَلُ فِيهِ بِالْعَدْلِ (?) .

وَرَوَى مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَسَادِ هَاهُنَا الشِّرْكُ. وَفِيهِ نَظَرٌ.

وَقَوْلُهُ: {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أَيْ: يَبْتَلِيهِمْ بِنَقْصِ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ، اخْتِبَارًا مِنْهُ، وَمُجَازَاةً عَلَى صَنِيعِهِمْ، {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أَيْ: عَنِ الْمَعَاصِي، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الْأَعْرَافِ: 168] .

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ} أَيْ: مِنْ قَبْلِكُمْ، {كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} أَيْ: فَانْظُرُوا مَاذَا حلَّ بِهِمْ مِنْ تَكْذِيبِ الرُّسُلِ وَكُفْرِ النِّعَمِ.

{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلأنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (45) } .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015