ثُمَّ قَالَ: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} : قَالَ قَتَادَةُ: هِيَ -وَاللَّهِ -الْفُرْقَةُ الَّتِي لَا اجْتِمَاعَ بَعْدَهَا، يَعْنِي: إِذَا رُفِعَ هَذَا إِلَى عِلِّيِّينَ، وَخُفِضَ هَذَا إِلَى أَسْفَلِ السَّافِلِينَ، فَذَاكَ آخِرُ الْعَهْدِ بَيْنَهُمَا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: يَنْعَمُونَ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ: يَعْنِي سَمَاعَ الْغِنَاءِ. وَالْحَبَرَةُ أَعَمُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ، قَالَ الْعَجَّاجُ:
الْحَمْدُ (?) لِلَّهِ الَّذِي أعْطَى الحَبَرْ ... مَوَالِيَ الْحَقّ إِنَّ المَوْلى شَكَر (?)
{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19) } .
هَذَا تَسْبِيحٌ مِنْهُ تَعَالَى لِنَفْسِهِ الْمُقَدِّسَةِ، وَإِرْشَادٌ لِعِبَادِهِ إِلَى تَسْبِيحِهِ وَتَحْمِيدِهِ، فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الْمُتَعَاقِبَةِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ: عِنْدَ الْمَسَاءِ، وَهُوَ إِقْبَالُ اللَّيْلِ بِظَلَامِهِ، وَعِنْدَ الصَّبَاحِ، وَهُوَ إِسْفَارُ النَّهَارِ عَنْ ضِيَائِهِ.
ثُمَّ اعْتَرَضَ بِحَمْدِهِ، مُنَاسِبَةً لِلتَّسْبِيحِ وَهُوَ التَّحْمِيدُ، فَقَالَ: {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ} أَيْ: هُوَ الْمَحْمُودُ عَلَى مَا خَلَقَ في السموات وَالْأَرْضِ.
ثُمَّ قَالَ: {وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} فَالْعَشَاءُ (?) هُوَ: شِدَّةُ الظَّلَامِ، وَالْإِظْهَارُ: قُوَّةُ الضِّيَاءِ. فَسُبْحَانَ خَالِقِ هَذَا وَهَذَا، فَالِقِ الْإِصْبَاحِ وَجَاعِلِ اللَّيْلَ سَكَنًا، كَمَا قَالَ: {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا. وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا} [الشَّمْسِ: 3، 4] ، وَقَالَ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى. وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [اللَّيْلِ: 1، 2] ، وَقَالَ: {وَالضُّحَى. وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [الضُّحَى: 1، 2] ، وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهيعة، حَدَّثَنَا زَبَّان بْنِ فَائِدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الجُهَني، عَنْ أَبِيهِ (?) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ لِمَ سَمَّى اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ الَّذِي وَفَّى؟ لِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ كُلَّمَا أَصْبَحَ وَأَمْسَى: سُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تَمَسُّونَ وحين تصبحون، وله الحمد في السموات وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ" (?) .
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُطَّلِبُ بْنُ شُعَيب الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، عَنْ أَبِيهِ (?) ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ. وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ}