61

وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنْ أَبِيهِ: كَانَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ حَجَرٌ، فَكَانَ يَضَعُهُ هَارُونُ وَيَضْرِبُهُ مُوسَى بِالْعَصَا.

وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ حَجَرًا طُورِيًّا، مِنَ الطُّورِ، يَحْمِلُونَهُ مَعَهُمْ حَتَّى إِذَا نَزَلُوا ضَرَبَهُ مُوسَى بِعَصَاهُ.

[وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقِيلَ: كَانَ مِنْ رُخَامٍ وَكَانَ ذِرَاعًا فِي ذِرَاعٍ، وَقِيلَ: مِثْلَ رَأْسِ الْإِنْسَانِ، وَقِيلَ: كَانَ مِنْ أُسُسِ الْجَنَّةِ طُولُهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ عَلَى طُولِ مُوسَى. وَلَهُ شُعْبَتَانِ تَتَّقِدَانِ فِي الظُّلْمَةِ وَكَانَ يُحْمَلُ عَلَى حِمَارٍ، قَالَ: وَقِيلَ: أَهْبَطَهُ آدَمُ مِنَ الْجَنَّةِ فَتَوَارَثُوهُ، حَتَّى وَقَعَ إِلَى شُعَيْبٍ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ مَعَ الْعَصَا، وَقِيلَ: هُوَ الْحَجَرُ الَّذِي وَضَعَ عَلَيْهِ ثَوْبَهُ حِينَ اغْتَسَلَ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: ارْفَعْ هَذَا الْحَجَرَ فَإِنَّ فِيهِ قُدْرَةً وَلَكَ فِيهِ مُعْجِزَةً، فَحَمَلَهُ فِي مِخْلَاتِهِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ لِلْجِنْسِ لَا لِلْعَهْدِ، أَيِ اضْرِبِ الشَّيْءَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْحَجَرُ، وَعَنِ الْحَسَنِ لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَضْرِبَ حَجَرًا بِعَيْنِهِ، قَالَ: وَهَذَا أَظْهَرُ فِي الْمُعْجِزَةِ وَأَبْيَنُ فِي الْقُدْرَةِ فَكَانَ يَضْرِبُ الْحَجَرَ بِعَصَاهُ فَيَنْفَجِرُ ثُمَّ يَضْرِبُهُ فَيَيْبَسُ، فَقَالُوا: إِنْ فَقَدَ مُوسَى هَذَا الْحَجَرَ عَطِشْنَا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ يُكَلِّمَ الْحِجَارَةَ فَتَنْفَجِرَ وَلَا يَمَسَّهَا بِالْعَصَا لَعَلَّهُمْ يُقِرُّونَ] (?) .

وَقَالَ يَحْيَى بْنُ النَّضْرِ: قُلْتُ لِجُوَيْبِرٍ: كَيْفَ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ؟ قَالَ: كَانَ مُوسَى يَضَعُ الْحَجَرَ، وَيَقُومُ مِنْ كُلِّ سِبْطٍ رَجُلٌ، وَيَضْرِبُ مُوسَى الْحَجَرَ فَيَنْفَجِرُ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا فَيَنْضَحُ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى رَجُلٍ، فَيَدْعُو ذَلِكَ الرَّجُلُ سِبْطَهُ إِلَى تِلْكَ الْعَيْنِ.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي التِّيهِ شَقَّ لَهُمْ مِنَ الْحَجَرِ أَنْهَارًا.

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ذَلِكَ فِي التِّيهِ، ضَرَبَ لَهُمْ مُوسَى الْحَجَرَ فَصَارَ فِيهِ (?) اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا مِنْ مَاءٍ، لِكُلِّ سِبْط مِنْهُمْ عَيْنٌ يَشْرَبُونَ مِنْهَا.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ نَحْوَ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَهَذِهِ الْقِصَّةُ شَبِيهَةٌ بِالْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ، وَلَكِنَّ تِلْكَ مَكِّيَّةٌ، فَلِذَلِكَ كَانَ الْإِخْبَارُ عَنْهُمْ بِضَمِيرِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُصُّ ذَلِكَ (?) عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا فَعَلَ بِهِمْ. وَأَمَّا فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَهِيَ الْبَقَرَةُ فَهِيَ (?) مَدَنِيَّةٌ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْخِطَابُ فِيهَا مُتَوَجِّهًا إِلَيْهِمْ. وَأَخْبَرَ هُنَاكَ بُقُولِهِ: {فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} [الْأَعْرَافِ: 160] وَهُوَ أَوَّلُ الِانْفِجَارِ، وَأَخْبَرَ هَاهُنَا بِمَا آلَ إِلَيْهِ الْأَمْرُ (?) آخِرًا وَهُوَ الِانْفِجَارُ فَنَاسَبَ ذِكْرَ الِانْفِجَارِ (?) هَاهُنَا، وَذَاكَ هُنَاكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَبَيْنَ السِّيَاقَيْنِ تَبَايُنٌ مِنْ عَشْرَةِ أَوْجُهٍ لَفْظِيَّةٍ وَمَعْنَوِيَّةٍ قَدْ سَأَلَ عَنْهَا الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَأَجَابَ عَنْهَا بِمَا عِنْدَهُ، وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ وَاللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِأَسْرَارِ كِتَابِهِ.

{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015