مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَجِئْتَهُمْ بِأَخْبَارِ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى، بِبَيَانِ الصَّوَابِ مِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَبِالْحَقِّ الْوَاضِحِ الْبَيِّنِ الْجَلِيِّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشُّعَرَاءِ: 197] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَوْلا يَأْتِينَا بِآيَةٍ (?) مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأولَى} [طَهَ: 133] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بن أبي سعيد، عَنْ أَبِيهِ (?) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: "ما من الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ". أَخْرَجَاهُ (?) مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ (?) .
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أَيْ: إِنَّ فِي هَذَا الْقُرْآنِ: {لَرَحْمَةً} أَيْ: بَيَانًا لِلْحَقِّ، وَإِزَاحَةً لِلْبَاطِلِ وَ {ذِكْرَى} بِمَا فِيهِ حُلُولُ النِّقَمَاتِ وَنُزُولُ الْعِقَابِ بِالْمُكَذِّبِينَ وَالْعَاصِينَ، {لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: قُلْ: {كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا} (?) أَيْ: هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ مِنَ التَّكْذِيبِ، وَيَعْلَمُ مَا أَقُولُ لَكُمْ مِنْ إِخْبَارِي عَنْهُ، بِأَنَّهُ أَرْسَلَنِي، فَلَوْ كُنْتُ كَاذِبًا عَلَيْهِ لَانْتَقَمَ مِنِّي، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ. لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ. فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الْحَاقَّةِ: 44-47] ، وَإِنَّمَا أَنَا صَادِقٌ عَلَيْهِ فِيمَا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ، وَلِهَذَا أَيَّدَنِي بِالْمُعْجِزَاتِ الْوَاضِحَاتِ، وَالدَّلَائِلِ الْقَاطِعَاتِ.
{يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ} [أَيْ] (?) : لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ.
{وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} أَيْ: يَوْمَ مَعَادِهِمْ سَيَجْزِيهِمْ عَلَى مَا فَعَلُوا، وَيُقَابِلُهُمْ عَلَى مَا صَنَعُوا، مِنْ تَكْذِيبِهِمْ بِالْحَقِّ وَاتِّبَاعِهِمُ الْبَاطِلَ، كَذَّبُوا بِرُسُلِ اللَّهِ مَعَ قِيَامِ الْأَدِلَّةِ عَلَى صِدْقِهِمْ، وَآمَنُوا بِالطَّوَاغِيتِ وَالْأَوْثَانِ بِلَا دَلِيلٍ، سَيُجَازِيهِمْ على ذلك، إنه حكيم عليم.