الْأَرْضِ زَوْجَانِ عَلَى الْإِسْلَامِ غَيْرِي وَغَيْرُكِ، فَإِنَّ لُوطًا عَلَيْهِ السَّلَامُ، آمَنَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ، وَهَاجَرَ مَعَهُ إِلَى بِلَادِ الشَّامِ، ثُمَّ أرسِل فِي حَيَاةِ الْخَلِيلِ إِلَى أَهْلِ "سَدوم" وَإِقْلِيمِهَا، وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ (?) مَا تَقَدَّمَ وَمَا سَيَأْتِي.
وَقَوْلُهُ: {وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} يَحْتَمِلُ عَوْدَ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: {وَقَالَ} ، عَلَى لُوطٍ، لِأَنَّهُ (?) أَقْرَبُ الْمَذْكُورَيْنِ، وَيَحْتَمِلُ عُودَهُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ -قَالَ (?) ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالضَّحَاكُ: وَهُوَ الْمُكَنَّى عَنْهُ بِقَوْلِهِ: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} أَيْ: مِنْ قَوْمِهِ.
ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ اخْتَارَ الْمُهَاجَرَةَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمُ، ابْتِغَاءَ إِظْهَارِ الدِّينِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ} أَيْ: لَهُ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ، {الْحَكِيمُ} فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ الْقَدَرِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: هَاجَرَا جَمِيعًا مِنْ "كَوْثَى"، وَهِيَ مِنْ سَوَادِ (?) الْكُوفَةِ إِلَى الشَّامِ. قَالَ: وذُكر لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّهَا سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، يَنْحَازُ أَهْلُ الْأَرْضِ إِلَى مُهَاجَر إِبْرَاهِيمَ، وَيَبْقَى فِي الْأَرْضِ شرار أهلها، حتى تلفظهم أرضهم وتقذرُهم رُوحُ اللَّهِ، وَتَحْشُرهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، تَبِيتُ مَعَهُمْ إِذَا بَاتُوا، وتَقِيل مَعَهُمْ إِذَا قَالُوا، وَتَأْكُلُ مَا سَقَطَ مِنْهُمْ".
وَقَدْ أَسْنَدَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثَ، فَرَوَاهُ مُطَوَّلًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ (?) : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْر بْنِ حَوْشَب قَالَ: لَمَّا جَاءَتْنَا بَيْعَةُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَدِمْتُ الشَّامَ فَأُخْبِرْتُ بِمَقَامٍ يَقُومُهُ نَوْفٌ البِكَالي، فَجِئْتُهُ؛ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ، فانتبذَ النَّاسَ وَعَلَيْهِ خَمِيصة، وَإِذَا (?) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. فَلَمَّا رَآهُ نَوْفٌ أَمْسَكَ عَنِ الْحَدِيثِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّهَا سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، فَيَنْحَازُ النَّاسُ إِلَى مُهَاجرَ إِبْرَاهِيمَ، لَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ إِلَّا شَرَارُ أَهْلِهَا، فَتَلْفِظُهُمْ (?) أَرَضُوهُمْ، تقْذَرهم نفسُ الرَّحْمَنِ، تَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ فَتَبِيتُ مَعَهُمْ إِذَا بَاتُوا، وتَقِيل مَعَهُمْ إِذَا قَالُوا، وَتَأْكُلُ مِنْهُمْ مَنْ تَخَلَّف". قَالَ: وَسَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "سَيَخْرُجُ أُنَاسٌ (?) مِنْ أُمَّتِي من قبل المشرق، يقرؤون الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيهم، كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطع، كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ" حَتَّى عَدّها زِيَادَةً عَلَى عِشْرِينَ مَرَّةً "كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ، حَتَّى يَخْرُجَ الدَّجَّالُ فِي بَقِيَّتِهِمْ" (?) .
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي دَاوُدَ، وَعَبْدِ الصَّمَدِ، كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوائي، عَنْ قَتَادَةَ، بِهِ (?)
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ، فَقَالَ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي سُكْنَى الشَّامِ:
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي [أَبِي] (?) ، عَنْ قتادة، عن شهر بن