يَقُولُ تَعَالَى مُمْتَنًّا عَلَى عِبَادِهِ بِمَا سَخَّرَ لَهُمْ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، اللَّذَيْنِ لَا قوَامَ لَهُمْ بِدُونِهِمَا. وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَوْ جعلَ الليلَ دَائِمًا عَلَيْهِمْ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَأَضَرَّ ذَلِكَ بِهِمْ، وَلَسَئِمَتْهُ النُّفُوسُ وَانْحَصَرَتْ مِنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ} أَيْ: تُبْصِرُونَ بِهِ وَتَسْتَأْنِسُونَ بِسَبَبِهِ، {أَفَلا تَسْمَعُونَ} .
ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ النَّهَارَ سَرْمَدًا دَائِمًا مُسْتَمِرًّا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لأضرَّ ذَلِكَ بِهِمْ، وَلَتَعِبَتِ الْأَبْدَانُ وكلَّت مِنْ كَثْرَةِ الْحَرَكَاتِ وَالْأَشْغَالِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ} أَيْ: تَسْتَرِيحُونَ مِنْ حَرَكَاتِكُمْ وَأَشْغَالِكُمْ. {أَفَلا تُبْصِرُونَ. وَمِنْ رَحْمَتِهِ} أَيْ: بِكُمْ {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} أَيْ: خَلَقَ هَذَا وَهَذَا {لِتَسْكُنُوا فِيهِ} أَيْ: فِي اللَّيْلِ، {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} أَيْ: فِي النَّهَارِ بِالْأَسْفَارِ وَالتَّرْحَالِ، وَالْحَرَكَاتِ وَالْأَشْغَالِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ.
وَقَوْلُهُ: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أَيْ: تَشْكُرُونَ اللَّهَ بِأَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ بِاللَّيْلِ اسْتَدْرَكَهُ بِالنَّهَارِ، أَوْ بِالنَّهَارِ اسْتَدْرَكَهُ بِاللَّيْلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الْفُرْقَانِ: 62] . وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ (?) .
{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74) وَنزعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (75) } .
وَهَذَا أَيْضًا نِدَاءٌ [ثَانٍ] (?) عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ لِمَنْ عَبَدَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، يُنَادِيهِمُ الرب -تبارك وتعالى -على رؤوس الْأَشْهَادِ فَيَقُولُ: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} أَيْ: فِي الدَّارِ الدُّنْيَا.
{وَنزعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} : قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي رَسُولًا. {فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} أَيْ: عَلَى صِحَّةِ مَا ادَّعَيْتُمُوهُ مِنْ أَنَّ لِلَّهِ شُرَكَاءَ، {فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ} أَيْ: لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، أَيْ: فَلَمْ يَنْطِقُوا وَلَمْ يُحِيرُوا (?) جَوَابًا، {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} أَيْ: ذَهَبُوا فَلَمْ يَنْفَعُوهُمْ.
{إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) } .