وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَمَّا دَخَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ التِّيهَ، قَالُوا لِمُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ: كَيْفَ لَنَا بِمَا هاهنا؟ أين الطعام؟ فأنزل الله عليهم الَمنّ فَكَانَ يَسْقُطُ عَلَى الشَّجَرِ (?) الزَّنْجَبِيلِ، وَالسَّلْوَى وَهُوَ طَائِرٌ يُشْبِهُ السُّمَانَى أَكْبَرُ مِنْهُ، فَكَانَ يَأْتِي أَحَدُهُمْ فَيَنْظُرُ إِلَى الطَّيْرِ، فَإِنْ كَانَ سَمِينًا ذَبَحَهُ وَإِلَّا أَرْسَلَهُ، فَإِذَا سَمِنَ أَتَاهُ، فَقَالُوا: هَذَا الطَّعَامُ فَأَيْنَ الشَّرَابُ؟ فَأُمِر مُوسَى فَضَرَبَ بِعَصَاهُ الْحَجَرَ، فَانْفَجَرَتْ (?) مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا، فَشَرِبَ كُلُّ سِبْطٍ مِنْ عَيْنٍ، فَقَالُوا: هَذَا الشَّرَابُ، فَأَيْنَ الظِّلُّ؟ فَظَلَّل عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ. فَقَالُوا: هَذَا الظِّلُّ، فَأَيْنَ اللِّبَاسُ؟ فَكَانَتْ ثِيَابُهُمْ (?) تَطُولُ مَعَهُمْ كَمَا يَطُولُ الصِّبْيَانُ، وَلَا يَنْخرق لَهُمْ ثَوْبٌ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} وَقَوْلُهُ {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [الْبَقَرَةِ:60] .

وَرُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ نَحْوُ مَا قَالَهُ السُّدِّيُّ.

وَقَالَ سُنَيْد، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْج، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خُلق لَهُمْ فِي التِّيهِ ثِيَابٌ لَا تَخْرِقُ (?) وَلَا تَدْرَنُ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَخَذَ مِنَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى فَوْقَ طَعَامِ يَوْمٍ فَسَدَ، إِلَّا أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ طَعَامَ يَوْمِ السَّبْتِ فَلَا يُصْبِحُ فَاسِدًا.

[قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: السَّلْوَى: طَيْرٌ بِإِجْمَاعِ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَدْ غَلِطَ الْهُذَلِيُّ فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ الْعَسَلُ، وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ مُسْتَشْهِدًا:

وَقَاسَمَهَا بِاللَّهِ جَهْدًا لَأَنْتُمُ ... أَلَذُّ مِنَ السَّلْوَى إِذَا مَا أَشُورُهَا ...

قَالَ: فَظَنَّ أَنَّ السَّلْوَى عَسَلًا (?) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: دَعْوَى الْإِجْمَاعِ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ المؤرخ أَحَدَ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ وَالتَّفْسِيرِ قَالَ: إِنَّهُ الْعَسَلُ، وَاسْتَدَلَّ بِبَيْتِ الْهُذَلِيِّ هَذَا، وَذَكَرَ أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي لُغَةِ كِنَانَةَ؛ لِأَنَّهُ يُسَلَّى بِهِ وَمِنْهُ عَيْنُ سُلْوَانَ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: السَّلْوَى الْعَسَلُ، وَاسْتَشْهَدَ بِبَيْتِ الْهُذَلِيِّ -أَيْضًا-، وَالسُّلْوَانَةُ بِالضَّمِّ خَرَزَةٌ، كَانُوا يَقُولُونَ إِذَا صُبَّ عَلَيْهَا مَاءُ الْمَطَرِ فَشَرِبَهَا الْعَاشِقُ سَلَا قَالَ الشَّاعِرُ:

شَرِبْتُ عَلَى سُلْوَانَةٍ مَاءَ مُزْنَةٍ ... فَلَا وَجَدِيدِ الْعَيْشِ يَا مَيُّ مَا أَسْلُو ...

وَاسْمُ ذَلِكَ الْمَاءِ السُّلْوَانُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: السُّلْوَانُ دَوَاءٌ يَشْفِي الْحَزِينَ فَيَسْلُو وَالْأَطِبَّاءُ يسمونه (مُفَرِّح) ، قَالُوا: وَالسَّلْوَى جَمْعٌ بِلَفْظِ -الْوَاحِدِ-أَيْضًا، كَمَا يقال: سمانى للمفرد والجمع ودِفْلَى كَذَلِكَ، وَقَالَ الْخَلِيلُ وَاحِدُهُ سَلْوَاةٌ، وَأَنْشَدَ:

وَإِنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ هِزَّةٌ ... كَمَا انْتَفَضَ السَّلْوَاةُ مِنْ بلل القطر ...

طور بواسطة نورين ميديا © 2015