{وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) } .
قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ.
وَقَوْلُهُ: {تِلْكَ} أَيْ: هَذِهِ {آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} أَيْ: الْوَاضِحِ الْجَلِيِّ الْكَاشِفِ عَنْ حَقَائِقِ الْأُمُورِ، وَعِلْمِ مَا قَدْ كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ.
وَقَوْلُهُ: {نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} كَمَا قَالَ تَعَالَى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يُوسُفَ: 3] أَيْ: نَذْكُرُ لَكَ الْأَمْرَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، كَأَنَّكَ تُشَاهِدُ وَكَأَنَّكَ حَاضِرٌ.
ثُمَّ قَالَ: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرْضِ} أَيْ: تَكَبَّرَ وَتَجَبَّرَ وَطَغَى. {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} أَيْ: أَصْنَافًا، قَدْ صَرَّفَ كُلَّ صِنْفٍ فِيمَا يُرِيدُ مِنْ أُمُورِ دَوْلَتِهِ.
وَقَوْلُهُ: {يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ} يَعْنِي: بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَكَانُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ خِيَارَ أَهْلِ زَمَانِهِمْ. هَذَا وَقَدْ سُلِّطَ عَلَيْهِمْ هَذَا الْمَلِكُ الْجَبَّارُ الْعَنِيدُ يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي أَخَسِّ الْأَعْمَالِ، ويكُدُّهُم لَيْلًا وَنَهَارًا فِي أَشْغَالِهِ وَأَشْغَالِ رَعِيَّتِهِ، وَيَقْتُلُ مَعَ هَذَا أَبْنَاءَهُمْ، وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ، إِهَانَةً لَهُمْ وَاحْتِقَارًا، وَخَوْفًا مِنْ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُمُ الْغُلَامُ الَّذِي كَانَ قَدْ تَخَوَّفَ هُوَ وَأَهْلُ مَمْلَكَتِهِ مِنْ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُمْ غلام،