{وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) } .
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَحَشْرِ الظَّالِمِينَ الْمُكَذِّبِينَ (?) بِآيَاتِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ إِلَى بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، لِيَسْأَلَهُمْ عَمَّا فَعَلُوهُ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا، تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا، وَتَصْغِيرًا وَتَحْقِيرًا فَقَالَ: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا} أَيْ: مِنْ كُلِّ قَوْمٍ وَقَرْنٍ (?) فَوْجًا، أَيْ: جَمَاعَةً، {مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا} ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصَّافَّاتِ: 22] ، وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التَّكْوِيرِ: 7] .
وَقَوْلُهُ: {فَهُمْ يُوزَعُونَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يُدْفَعُونَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: وَزَعَةٌ تَرُدُّ (?) أَوَّلَهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: يُسَاقُونَ.
{حَتَّى إِذَا جَاءُوا} أَيْ: أُوقِفُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فِي مَقَامِ الْمُسَاءَلَةِ، {قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أَيْ: وَيُسْأَلُونَ (?) عَنِ اعْتِقَادِهِمْ، وَأَعْمَالِهِمْ فَلَمَّا لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَكَانُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى. وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الْقِيَامَةِ: 31، 32] ، فَحِينَئِذٍ قَامَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُذْرٌ يَعْتَذِرُونَ بِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [الْمُرْسَلَاتِ: 35، 37] ، وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: {وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ} أَيْ: بُهِتُوا فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَوَابٌ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الدَّارِ الدُّنْيَا ظَلَمَةً لِأَنْفُسِهِمْ، وَقَدْ رُدُّوا إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الَّذِي لَا تَخْفَى (?) عَلَيْهِ خَافِيَةٌ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُنَبِّهًا عَلَى قُدْرَتِهِ التَّامَّةِ، وَسُلْطَانِهِ الْعَظِيمِ، وَشَأْنِهِ الرَّفِيعِ الَّذِي تَجِبُ طَاعَتُهُ وَالِانْقِيَادُ لِأَوَامِرِهِ، وَتَصْدِيقِ أَنْبِيَائِهِ فِيمَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي لَا مَحيد عَنْهُ، فَقَالَ {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ} أَيْ: فِيهِ ظَلَامٌ تَسْكُنُ (?) بِسَبَبِهِ حَرَكَاتُهُمْ، وَتَهْدَأُ أَنْفَاسُهُمْ، وَيَسْتَرِيحُونَ مِنْ نَصَب التَّعَبِ فِي نَهَارِهِمْ. {وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} أَيْ: مُنِيرًا مُشْرِقًا، فَبِسَبَبِ ذَلِكَ يَتَصَرَّفُونَ فِي الْمَعَايِشِ والمكاسب، والأسفار والتجارات، وغير ذلك من شؤونهم الَّتِي يَحْتَاجُونَ إِلَيْهَا، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} .