لِأَنَّ حَالَهُ مُنَافٍ لِحَالِهِمْ مِنْ وُجُوهٍ ظَاهِرَةٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} [يس:69] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ. وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ. تَنزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الْحَاقَّةِ:40-43] ، وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: {وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} إِلَى أَنْ قَالَ: {وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ. وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ. إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} إِلَى أَنْ قَالَ: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنزلُ الشَّيَاطِينُ. تَنزلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ. يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ. وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ. أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ. وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} .
وَقَوْلُهُ: {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} : قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ (?) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْط، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ سَالِمٍ البَرّاد -مَوْلَى تَمِيمٍ الدَّارِيِّ -قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} ، جَاءَ حسان بن ثابت، وعبد الله بن رَوَاحة، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ يَبْكُونَ فَقَالُوا: قَدْ عَلِمَ اللَّهُ حِينَ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ أَنَّا شُعَرَاءُ. فَتَلَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} قَالَ: "أَنْتُمْ"، {وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} قَالَ: "أَنْتُمْ"، {وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} قَالَ: "أَنْتُمْ".
رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَابْنُ جَرِيرٍ، مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ (?) .
وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَشَجِّ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مَوْلَى بَنِي نَوْفَلٍ؛ أَنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَتْ: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} يَبْكِيَانِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَقْرَؤُهَا عَلَيْهِمَا: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} حَتَّى بَلَغَ: {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ، قَالَ: "أَنْتُمْ" (?) .
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ (?) حَدَّثَنَا حَمَّادٌ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَة، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنِّي مِنْهُمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} إِلَى قَوْلِهِ: {يَنْقَلِبُونَ} .
وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وقَتَادَةُ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِمَّا تَقَدَّمَ. وَلَا شَكَّ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ، وَلَكِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ، فَكَيْفَ يَكُونُ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ [فِي] (?) شُعَرَاءِ الْأَنْصَارِ؟ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ إِلَّا مُرْسَلَاتٌ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَكِنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ يَدْخُلُ فِيهِ شُعَرَاءُ الْأَنْصَارِ وَغَيْرُهُمْ، حَتَّى يَدْخُلَ فِيهِ مَنْ كَانَ مُتَلَبِّسًا مِنْ شُعَرَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ بِذَمِّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، ثُمَّ تَابَ وَأَنَابَ، وَرَجَعَ وَأَقْلَعَ، وَعَمِلَ صالحًا، وذكر الله كثيرًا في