اسْتِدَارَتَهَا. قَالَ: "فَكَيْفَ تَرَوْنَ بَرْقَهَا، أومَيض أَمْ خَفْو (?) أَمْ يَشُق شَقّا (?) ؟ ". قَالُوا: بَلْ يَشَقُّ شَقًّا. قَالَ: "الْحَيَاءَ الْحَيَاءَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ". قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي وَأُمِّي مَا أَفْصَحَكَ، مَا رَأَيْتُ الَّذِي هُوَ أعربُ مِنْكَ. قَالَ: فَقَالَ: " حُقَّ لِي، وَإِنَّمَا أُنْزِلَ (?) الْقُرْآنُ بِلِسَانِي، وَاللَّهُ يَقُولُ: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (?) .
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَمْ يَنْزِلْ وَحْيٌ إِلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ، ثُمَّ تَرْجم كُلُّ نَبِيٍّ لِقَوْمِهِ، وَاللِّسَانُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، فَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
{وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نزلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) } .
يَقُولُ تَعَالَى: وإنَّ ذِكْر هَذَا الْقُرْآنِ وَالتَّنْوِيهَ بِهِ لَمَوْجُودٌ فِي كُتُبِ الْأَوَّلِينَ الْمَأْثُورَةِ عَنْ أَنْبِيَائِهِمُ، الَّذِينَ بَشَّرُوا بِهِ فِي قَدِيمِ الدَّهْرِ وَحَدِيثِهِ، كَمَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ بِذَلِكَ، حَتَّى قَامَ آخِرُهُمْ خَطِيبًا فِي مَلَئِهِ بِالْبِشَارَةِ بِأَحْمَدَ: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصَّفِّ: 6] ، وَالزُّبُرُ هَاهُنَا هِيَ الْكُتُبُ وَهِيَ جَمْعُ زَبُور (?) ، وَكَذَلِكَ الزَّبُورُ، وَهُوَ كِتَابُ دَاوُدَ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} [الْقَمَرِ:52] أَيْ: مَكْتُوبٌ عَلَيْهِمْ فِي صُحُفِ الْمَلَائِكَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} أي: أو ليس يَكْفِيهِمْ مِنَ الشَّاهِدِ الصَّادِقِ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ الْعُلَمَاءَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَجِدُونَ ذِكْرَ هَذَا الْقُرْآنِ فِي كُتُبِهِمُ الَّتِي يَدْرُسُونَهَا؟ وَالْمُرَادُ: الْعُدُولُ مِنْهُمُ، الَّذِينَ يَعْتَرِفُونَ بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَبْعَثِهِ وَأُمَّتِهِ، كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ مَنْ آمَنُ مِنْهُمْ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَسَلْمَانِ الْفَارِسِيِّ، عَمَّنْ أَدْرَكَهُ مِنْهُمْ ومَنْ شَاكَلَهُمْ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ} الْآيَةَ [الْأَعْرَافِ:157] .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ شِدَّةِ كُفْرِ قُرَيْشٍ وَعِنَادِهِمْ لِهَذَا الْقُرْآنِ؛ أَنَّهُ لَوْ أَنْزَلَهُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَعَاجِمِ، مِمَّنْ لَا يَدْرِي مِنَ الْعَرَبِيَّةِ كَلِمَةً، وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ هَذَا الْكِتَابُ بِبَيَانِهِ وَفَصَاحَتِهِ، لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَلَوْ نزلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ. فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} ، كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ. لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الْحِجْرِ:14، 15] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّنَا نزلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الْأَنْعَامِ:111] ، وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ. وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ} [يُونُسَ:96، 97] .
{كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الألِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) }