78

أَيْ: مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ؟

{قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} أَيْ: مُقِيمِينَ عَلَى عِبَادَتِهَا وَدُعَائِهَا.

{قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} يَعْنِي: اعْتَرَفُوا بِأَنَّ (?) أَصْنَامَهُمْ لَا تَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا رَأَوْا آبَاءَهُمْ كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ، فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهرعون. فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ} أَيْ: إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَصْنَامُ شَيْئًا وَلَهَا تَأْثِيرٌ، فَلْتَخْلُص إِلَيَّ بِالْمَسَاءَةِ، فَإِنِّي عَدُوٌّ لَهَا لَا أُبَالِيهَا وَلَا أُفَكِّرُ فِيهَا. وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ} [يُونُسَ:71] وَقَالَ هُودٌ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: {إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ. إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هُودٍ:54-56] وَهَكَذَا تَبْرَّأَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ آلِهَتِهِمْ وَقَالَ: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا} [الْأَنْعَامِ:81] وَقَالَ تَعَالَى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الْمُمْتَحِنَةِ:4] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزُّخْرُفِ:26-28] يَعْنِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.

{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) }

يَعْنِي: لَا أَعْبُدُ إِلَّا الَّذِي يَفْعَلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} أَيْ: هُوَ الْخَالِقُ الَّذِي قَدَّرَ قَدَرًا، وَهَدَى الْخَلَائِقَ إِلَيْهِ، فَكُلٌّ يَجْرِي عَلَى [مَا] (?) قُدِّرَ، وَهُوَ الَّذِي يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ويُضل مَنْ يَشَاءُ.

{وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} أَيْ: هُوَ خَالِقِي وَرَازِقِي، بِمَا سَخَّرَ ويَسَّر مِنَ الْأَسْبَابِ السَّمَاوِيَّةِ وَالْأَرْضِيَّةِ، فَسَاقَ المُزْنَ، وَأَنْزَلَ الْمَاءَ، وَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ، وَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لِلْعِبَادِ، وَأَنْزَلَ الْمَاءَ عَذْبًا زُلَالًا لِـ {نُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} (?) [الْفَرْقَانِ:49] .

وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} أَسْنَدَ الْمَرَضَ إِلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ عَنْ قَدَرِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ وخلَقْه، وَلَكِنْ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ أَدَبًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى آمِرًا لِلْمُصَلِّي أَنْ يَقُولَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الْفَاتِحَةِ:6، 7] فَأَسْنَدَ الْإِنْعَامَ إِلَى اللَّهِ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَالْغَضَبَ حُذف فَاعِلُهُ أَدَبًا، وَأَسْنِدَ الضَّلَالَ إِلَى الْعَبِيدِ، كَمَا قَالَتِ الْجِنُّ: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن:10] ؛ ولهذا (?) قال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015