خَلَّصْتُكُمْ مِنْهُمْ وَأَنْقَذْتُكُمْ مِنْ أَيْدِيهِمْ صُحْبَةَ (?) مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَدْ كَانُوا يَسُومُونَكُمْ، أَيْ: يُورِدُونَكُمْ وَيُذِيقُونَكُمْ وَيُوَلُّونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ. وَذَلِكَ أَنَّ فِرْعَوْنَ -لَعَنَهُ اللَّهُ-كَانَ قَدْ رَأَى رُؤْيَا هَالَتْهُ، رَأَى نَارًا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَدَخَلَتْ دُورَ الْقِبْطِ بِبِلَادِ مِصْرَ، إِلَّا بُيُوتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مَضْمُونُهَا أَنَّ زَوَالَ مُلْكِهِ يَكُونُ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَيُقَالُ: بَلْ تَحْدَّثَ سُمَّارُهُ عِنْدَهُ بِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَتَوَقَّعُونَ خُرُوجَ رَجُلٍ مِنْهُمْ، يَكُونُ لَهُمْ بِهِ دَوْلَةٌ وَرِفْعَةٌ، وَهَكَذَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الفُتُون، كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ [فِي سُورَةِ طه] (?) إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمْرَ فِرْعَوْنُ -لَعَنَهُ اللَّهُ-بِقَتْلِ كُلِّ [ذِي] (?) ذَكر يُولَدُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنْ تُتْرَكَ الْبَنَاتُ، وَأَمَرَ بِاسْتِعْمَالِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي مَشَاقِّ الْأَعْمَالِ وَأَرَاذِلِهَا.

وَهَاهُنَا فُسِّرَ الْعَذَابُ بِذَبْحِ الْأَبْنَاءِ، وَفِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ عَطْفٌ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ويُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} [إِبْرَاهِيمَ] وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ (?) ذَلِكَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْقَصَصِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبِهِ الثِّقَةُ وَالْمَعُونَةُ وَالتَّأْيِيدُ.

وَمَعْنَى {يَسُومُونَكُمْ} أَيْ: يُوَلُّونَكُمْ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، كَمَا يُقَالُ سَامَهُ خُطَّةَ خَسْفٍ إِذَا أَوْلَاهُ إِيَّاهَا، قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:

إِذَا مَا الْمُلْكُ سَامَ النَّاسَ خَسْفًا ... أَبَيْنَا أَنْ نُقِرَّ الْخَسْفَ فِينَا ...

وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: يُدِيمُونَ عَذَابَكُمْ، كَمَا يُقَالُ: سَائِمَةُ الْغَنَمِ مِنْ إِدَامَتِهَا الرَّعْيَ، نَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَإِنَّمَا قَالَ هَاهُنَا: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} لِيَكُونَ ذَلِكَ تَفْسِيرًا لِلنِّعْمَةِ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِ: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} ثُمَّ فَسَّرَهُ بِهَذَا لِقَوْلِهِ هَاهُنَا {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} وَأَمَّا فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ فَلَمَّا قَالَ: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} [إِبْرَاهِيمَ:5] ، أَيْ: بِأَيَادِيهِ وَنِعَمِهِ عَلَيْهِمْ فَنَاسَبَ أَنْ يَقُولَ هُنَاكَ: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ويُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} فَعَطَفَ عَلَيْهِ الذَّبْحَ لِيَدُلَّ عَلَى تَعَدُّدِ النِّعَمِ وَالْأَيَادِي.

وَفِرْعَوْنُ عَلَمٌ عَلَى كُلِّ مَنْ مَلَكَ مِصْرَ، كَافِرًا مِنَ الْعَمَالِيقِ (?) وَغَيْرِهِمْ، كَمَا أَنَّ قَيْصَرَ عَلَمٌ عَلَى كُلِّ مَنْ مَلَكَ الرُّومَ مَعَ الشَّامِ كَافِرًا، وَكِسْرَى لِكُلِّ مَنْ مَلَكَ الْفُرْسَ، وتُبَّع لِمَنْ مَلَكَ الْيَمَنَ كَافِرًا [وَالنَّجَاشِيُّ لِمَنْ مَلَكَ الْحَبَشَةَ، وَبَطْلَيْمُوسَ لِمَنْ مَلَكَ الْهِنْدَ] (?) وَيُقَالُ: كَانَ اسْمُ فِرْعَوْنَ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، الْوَلِيدُ بْنُ مُصْعَبِ بْنِ الرَّيَّانِ، وَقِيلَ: مُصْعَبُ بْنُ الرَّيَّانِ، أَيًّا مَا كَانَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، [وَكَانَ مِنْ سُلَالَةِ عِمْلِيقِ بْنِ دَاوُدَ بْنِ إِرَمَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو مُرَّةَ، وَأَصْلُهُ فَارِسِيٌّ مِنِ استخر] (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015