وَهَذَا الْقَوْلُ -وَإِنْ كَانَ لَهُ مَأْخَذٌ وَوَجْهٌ -وَلَكِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى السِّيَاقِ فِي الْآيَةِ بَعِيدٌ، لَا سِيَّمَا قَدْ نَصَّ الْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ. وَلَكِنْ قَدْ رَوَى ابنُ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ؛ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: {حِجْرًا مَحْجُورًا} أَيْ: عَوْذًا مُعَاذًا. فَيُحْتَمَلُ (?) أَنَّهُ أَرَادَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ. وَلَكِنْ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: {حِجْرًا مَحْجُورًا} [أَيْ] : (?) عَوْذًا مُعَاذًا، الْمَلَائِكَةُ تقُوله. فَاللَّهُ (?) أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} ، وَهَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حِينَ يُحَاسِبُ اللَّهُ الْعِبَادَ عَلَى مَا عَمِلُوهُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَتَحَصَّلُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْأَعْمَالِ -الَّتِي ظَنُّوا أَنَّهَا مَنْجَاةٌ لَهُمْ -شَيْءٌ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا فَقَدَتِ الشَّرْطَ الشَّرْعِيَّ، إِمَّا الْإِخْلَاصُ فِيهَا، وَإِمَّا الْمُتَابَعَةُ لِشَرْعِ اللَّهِ. فَكُلُّ عَمَلٍ لَا يَكُونُ خَالِصًا وَعَلَى الشَّرِيعَةِ الْمَرْضِيَّةِ، فَهُوَ بَاطِلٌ. فَأَعْمَالُ الْكُفَّارِ لَا تَخْلُو مِنْ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنَ، وَقَدْ تَجْمَعُهُمَا مَعًا، فَتَكُونُ أَبْعَدَ مِنَ الْقَبُولِ حِينَئِذٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} .

قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالثَّوْرِيُّ: {وَقَدِمْنَا} أَيْ: عَمَدْنَا.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: (قَدِمْنَا) : عَمَدنا. وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: أَتَيْنَا عَلَيْهِ.

وَقَوْلُهُ: {فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: { [فَجَعَلْنَاهُ] (?) هَبَاءً مَنْثُورًا} ، قَالَ: شُعَاعُ الشَّمْسِ إِذَا دَخَلَ فِي الكوَّة. وَكَذَا رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ عَلَيٍّ. ورُوي مِثْلُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَير، والسُّدِّي، وَالضَّحَّاكِ، وَغَيْرِهِمْ. وَكَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: هُوَ الشُّعَاعُ فِي كُوَّةِ أَحَدِهِمْ (?) ، وَلَوْ ذَهَبَ يَقْبِضُ عَلَيْهِ لَمْ يَسْتَطِعْ.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {هَبَاءً مَنْثُورًا} قَالَ: هُوَ الْمَاءُ الْمِهْرَاقُ.

وَقَالَ أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ: {هَبَاءً مَنْثُورًا} قَالَ: الْهَبَاءُ رَهْج (?) الدَّوَابِّ. ورُوي مِثْلُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا، وَالضَّحَّاكِ، وَقَالَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ.

وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: {هَبَاءً مَنْثُورًا} قَالَ: أَمَا رَأَيْتَ يَبِيس الشَّجَرِ إِذَا ذَرَتْهُ (?) الرِّيحُ؟ فَهُوَ ذَلِكَ الْوَرَقُ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي سَرِيعٍ الطَّائِيِّ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عُبَيْدٍ (?) قَالَ: وَإِنَّ الْهَبَاءَ الرَّمَادُ.

وَحَاصِلُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ التنبيهُ عَلَى مَضْمُونِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَمِلُوا أَعْمَالًا اعْتَقَدُوا أَنَّهَا شَيْءٌ، فَلَمَّا عُرِضَتْ عَلَى الْمَلِكِ الْحَكِيمِ (?) الْعَدْلِ الَّذِي لَا يَجُورُ وَلَا يَظْلِمُ أَحَدًا، إِذَا إِنَّهَا لَا شَيْءَ بِالْكُلِّيَّةِ. وَشُبِّهَتْ فِي ذَلِكَ بِالشَّيْءِ التَّافِهِ الْحَقِيرِ الْمُتَفَرِّقِ، الَّذِي لَا يَقْدِرُ مِنْهُ صَاحِبُهُ عَلَى شَيْءٍ بِالْكُلِّيَّةِ، كَمَا قال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015