7

يَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَيَعْرِفُونَ كَذِبَ أَنْفُسِهِمْ فِيمَا يَزْعُمُونَ (?) .

{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا} يَعْنُونَ: كُتُبَ الْأَوَائِلِ اسْتَنْسَخَهَا، {فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ} أَيْ: تُقْرَأُ عَلَيْهِ {بُكْرَةً وَأَصِيلا} أَيْ: فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَآخِرِهِ.

وَهَذَا الْكَلَامُ -لِسَخَافَتِهِ وَكَذِبِهِ وبهْته مِنْهُمْ -كُلّ أَحَدٍ يَعْلَمُ (?) بُطْلَانَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ عُلم بِالتَّوَاتُرِ وَبِالضَّرُورَةِ: أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ يُعَانِي شَيْئًا مِنَ الْكِتَابَةِ، لَا فِي أَوَّلِ عُمُرِهِ وَلَا فِي آخِرِهِ، وَقَدْ نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ مِنْ أَوَّلِ مَوْلِدِهِ إِلَى أَنْ بَعَثَهُ اللَّهُ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَهُمْ يَعْرِفُونَ مُدْخَلَهُ وَمُخْرَجَهُ، وَصِدْقَهُ، وَبِرَّهُ وَأَمَانَتَهُ وَنَزَاهَتَهُ مِنَ الْكَذِبِ وَالْفُجُورِ وَسَائِرِ الْأَخْلَاقِ الرَّذِيلَةِ، حَتَّى إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُسَمُّونَهُ فِي صِغَرِهِ إِلَى أَنْ بُعِث (?) إِلَّا الْأَمِينَ، لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ صِدْقِهِ وَبِرِّهِ. فَلَمَّا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِمَا أَكْرَمَهُ بِهِ، نَصَبُوا لَهُ الْعَدَاوَةَ، وَرَموه بِهَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي يَعْلَمُ كُلُّ عَاقِلٍ بَرَاءَتَهُ مِنْهَا، وَحَارُوا مَاذَا يَقْذِفُونَهُ بِهِ، فَتَارَةً مِنْ إِفْكِهِمْ يَقُولُونَ: سَاحِرٌ، وَتَارَةً يَقُولُونَ: شَاعِرٌ، وَتَارَةً يَقُولُونَ: مَجْنُونٌ، وَتَارَةً يَقُولُونَ: كَذَّابٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا} [الْإِسْرَاءِ: 48] .

وَقَالَ تَعَالَى فِي جَوَابِ مَا عَانَدُوا هَاهُنَا وَافْتَرَوْا: {قُلْ أَنزلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ} أَيْ: أَنْزَلَ الْقُرْآنَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى أَخْبَارِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ إِخْبَارًا حقًّا صِدْقًا مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ فِي الْخَارِجِ، مَاضِيًا وَمُسْتَقْبَلًا {أَنزلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ} أي: الله الذي يعلم غيب السموات وَالْأَرْضِ، وَيَعْلَمُ السَّرَائِرَ كَعِلْمِهِ بِالظَّوَاهِرِ.

وَقَوْلُهُ: {إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} : دُعَاءٌ لَهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ، وَإِخْبَارٌ بِأَنَّ رَحْمَتَهُ وَاسِعَةٌ، وَأَنَّ حِلْمَهُ عَظِيمٌ، وَأَنَّ مَنْ تَابَ إِلَيْهِ تَابَ عَلَيْهِ. فَهَؤُلَاءِ مَعَ كَذِبِهِمْ وَافْتِرَائِهِمْ وَفُجُورِهِمْ وَبُهْتِهِمْ وَكُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ، وَقَوْلِهِمْ عَنِ الرَّسُولِ وَالْقُرْآنِ مَا قَالُوا، يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْإِقْلَاعِ عَمَّا هُمْ فِيهِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالْهُدَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الْمَائِدَةِ: 73 -74] ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [الْبُرُوجِ: 10] . قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْكَرَمِ وَالْجُودِ، قَتَلُوا أَوْلِيَاءَهُ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ [سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى] (?) .

{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلا أُنزلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنز أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا (9) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) }

طور بواسطة نورين ميديا © 2015