وَقَالَ مُقَاتِلُ [بْنُ حَيَّان] (?) فِي قَوْلِهِ: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} يَقُولُ: لَا تُسَمّوه إِذَا دَعَوتموه: يَا مُحَمَّدُ، وَلَا تَقُولُوا: يَا بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَلَكِنْ شَرّفوه فَقُولُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ (?) .

وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْلِهِ: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} قَالَ: أَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يشرِّفوه.

هَذَا قَوْلٌ. وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنَ السِّيَاقِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا} [الْبَقَرَةِ: 104] ، وَقَالَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [الْحُجُرَاتِ: 2-5]

فَهَذَا كُلُّهُ مِنْ بَابِ الْأَدَبِ [فِي مُخَاطَبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْكَلَامِ مَعَهُ وَعِنْدَهُ كَمَا أُمِرُوا بِتَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ قَبْلَ مُنَاجَاتِهِ] (?)

وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَعْنَى فِي: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} أَيْ: لَا تَعْتَقِدُوا أَنَّ دُعَاءَهُ عَلَى غَيْرِهِ كَدُعَاءِ غَيْرِهِ، فَإِنَّ دُعَاءَهُ مُسْتَجَابٌ، فَاحْذَرُوا أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْكُمْ فَتَهْلَكُوا. حَكَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعَطِيَّةَ العَوفي، وَاللَّهُ (?) أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا} قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّان: هُمُ الْمُنَافِقُونَ، كَانَ يَثْقُلُ عَلَيْهِمُ الْحَدِيثُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ -وَيَعْنِي بِالْحَدِيثِ الْخُطْبَةَ -فَيَلُوذُونَ بِبَعْضِ الصَّحَابَةِ -أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -حَتَّى يَخْرُجُوا مِنَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ لَا يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ إِلَّا بِإِذْنٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، بَعْدَمَا يَأْخُذُ فِي الْخُطْبَةِ، وَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمُ الخروجَ أشارَ بِإِصْبَعِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَأْذَنُ لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَكَلَّمَ الرَّجُلُ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يَخْطُبُ، بطلتْ جُمعته.

قَالَ السُّدِّي كَانُوا إِذَا كَانُوا مَعَهُ فِي جَمَاعَةٍ، لَاذَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، حَتَّى يَتَغَيَّبُوا عَنْهُ، فَلَا يَرَاهُمْ.

وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا} ، يَعْنِي: لِوَاذًا [عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ وَعَنْ كِتَابِهِ.

وَقَالَ سُفْيَانُ: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا} قَالَ: مِنَ الصَّفِّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي الْآيَةِ: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا} ] (?) قَالَ: خِلَافًا.

وَقَوْلُهُ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} أَيْ: عَنْ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سبيله هو (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015