وَهُوَ آخِرُ النَّهَارِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُلُّ تَسْبِيحٍ فِي الْقُرْآنِ هُوَ الصَّلَاةُ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي بِالْغُدُوِّ: صَلَاةَ الْغَدَاةِ، وَيَعْنِي بِالْآصَالِ: صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَهُمَا أَوَّلُ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ مِنَ الصَّلَاةِ، فَأَحَبَّ أَنْ يَذْكُرهما وَأَنْ يُذَكِّر بِهِمَا عِبَادَهُ.
وَكَذَا قَالَ الْحَسَنُ، وَالضَّحَّاكُ: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} يَعْنِي: الصَّلَاةَ.
وَمَنْ قَرَأَ مِنَ القَرَأَة (?) " يُسَبَّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ" -بِفَتْحِ الْبَاءِ مِنْ "يُسبح" عَلَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ -وَقَفَ (?) عَلَى قَوْلِهِ: {والآصَال} وَقَفًا تامًا، وَابْتَدَأَ بِقَوْلِهِ: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} وَكَأَنَّهُ مُفَسِّرٌ لِلْفَاعِلِ الْمَحْذُوفِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ (?) .
لِيُبْكَ يزيدُ، ضارعٌ لخُصُومة ... ومُخْتَبطٌ مِمَّا تُطيح الطّوَائحُ ...
كَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ يَبْكِيهِ؟ قَالَ: هَذَا يَبْكِيهِ. وَكَأَنَّهُ قِيلَ: مَنْ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا؟ قَالَ: رِجَالٌ.
وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: {يسبِّح} -بِكَسْرِ الْبَاءِ -فَجَعَلَهُ فِعْلًا وَفَاعِلَهُ: {رِجَال} فَلَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ إِلَّا عَلَى الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ تَمَامُ الْكَلَامِ.
فَقَوْلُهُ: {رِجَال} فِيهِ إِشْعَارٌ بِهِمَمِهِمُ السَّامِيَةِ، وَنِيَّاتِهِمْ وَعَزَائِمِهِمُ الْعَالِيَةِ، الَّتِي بِهَا صَارُوا عُمَّارا لِلْمَسَاجِدِ، الَّتِي هِيَ بُيُوتُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، وَمَوَاطِنُ عِبَادَتِهِ وَشُكْرِهِ، وَتَوْحِيدِهِ وَتَنْزِيهِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الْأَحْزَابِ: 23] .
فَأَمَّا النِّسَاءُ فَصَلاتهن فِي بُيُوتِهِنَّ أَفْضَلُ لَهُنَّ؛ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا" (?) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ غَيْلان، حَدَّثَنَا رِشْدِين، حَدَّثَنِي عَمْرٌو، عَنْ أَبِي السَّمْحِ، عَنِ السَّائِبِ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، -عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "خَيْرُ مَسَاجِدِ النِّسَاءِ [قَعْرُ] (?) بُيُوتِهِنَّ" (?) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا هَارُونُ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُوَيد الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَمَّتِهِ أُمِّ حُمَيْدٍ -امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ -أَنَّهَا جَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَكَ قَالَ: "قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي، وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتك خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي". قَالَ: فأمَرَت فبُني لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهَا وَأَظْلَمِهِ (?) ، فَكَانَتْ تُصْلِي فِيهِ حَتَّى لقيت الله، عز وجل. لم يخرجوه. (?)