وَقَالَ السُّدِّيُّ: أُنْزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ رأس الْمُنَافِقِينَ، وَكَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ تُدْعَى مُعَاذَةُ، وَكَانَ إِذَا نَزَلَ بِهِ ضَيْفٌ أَرْسَلَهَا إِلَيْهِ لِيُوَاقِعَهَا، إِرَادَةَ الثَّوَابِ مِنْهُ وَالْكَرَامَةِ لَهُ. فَأَقْبَلَتِ الْجَارِيَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَشَكَتْ إِلَيْهِ ذَلِكَ، فَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُ بِقَبْضِهَا. فَصَاحَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ: مَنْ يَعْذُرني مِنْ مُحَمَّدٍ، يَغْلِبُنَا عَلَى مَمْلُوكَتِنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ هَذَا.

وَقَالَ مُقَاتِل بْنُ حَيَّان: بَلَغَنَا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ -أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ كَانَا يُكْرِهَانِ أَمَتَيْنِ لَهُمَا، إِحْدَاهُمَا اسْمُهَا مُسَيْكَة، وَكَانَتْ لِلْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَتْ أُمَيْمَةُ أُمُّ مُسَيْكَةَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، وَكَانَتْ مُعَاذَةُ وَأَرْوَى بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ، فَأَتَتْ مُسَيْكَةُ وَأُمُّهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَتَا ذَلِكَ لَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} يَعْنِي: الزِّنَى.

وَقَوْلُهُ: {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، فَلَا مَفْهُومَ لَهُ. وَقَوْلُهُ: {لِتَبْتَغُوا عَرَضَ [الْحَيَاةِ] الدُّنْيَا} (?) أَيْ: مِنْ خَرَاجهن وَمُهُورِهِنَّ وَأَوْلَادِهِنَّ. وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ كَسْبِ الحجَّام، وَمَهْرِ البَغيّ وحُلْوان الْكَاهِنِ (?) -وَفِي رِوَايَةٍ: "مَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ، وَكَسْبُ الحجَّام خَبِيثٌ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ" (?)

وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [أَيْ: لَهُنَّ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ جَابِرٍ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَإِنْ فَعَلْتُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لهن غفور رحيم] (?) وإثمهن على من أكرههن: وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، وَالْأَعْمَشُ، وَقَتَادَةُ.

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، عَنْ عَوْف، عَنِ الْحَسَنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} قَالَ: لَهُنَّ وَاللَّهِ. لَهُنَّ وَاللَّهِ.

وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: غَفُورٌ لَهُنَّ مَا أُكْرهْن عَلَيْهِ.

وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: غَفُورٌ رَحِيمٌ لِلْمُكْرَهَاتِ.

حَكَاهُنَّ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي تَفْسِيرِهِ بِأَسَانِيدِهِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَة، حَدَّثَنِي عَطَاءٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر قَالَ: فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: "فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ لَهُنَّ غَفُورٌ (?) رَّحِيمٌ" وَإِثْمُهُنَّ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُنَّ.

وَفِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: "رُفِع عَنْ أمَّتي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ". (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015