وَقَدْ زوَّج رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي لَمْ يَجِدْ إِلَّا إِزَارَهُ (?) ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى خَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَمَعَ هَذَا فَزَوَّجَهُ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ، وَجَعَلَ صَدَاقَهَا عَلَيْهِ أَنْ يُعَلِّمَهَا مَا يَحْفَظُهُ مِنَ الْقُرْآنِ.

وَالْمَعْهُودُ مِنْ كَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَلُطْفِهِ أَنْ يَرْزُقَهُ [وَإِيَّاهَا] (?) مَا فِيهِ كِفَايَةٌ لَهُ وَلَهَا. فَأَمَّا مَا يُورِدُهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثُ: "تَزَوَّجُوا فُقَرَاءَ يُغْنِكُمُ اللَّهُ"، فَلَا أَصْلَ لَهُ، وَلَمْ أَرَهُ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ وَلَا ضَعِيفٍ إِلَى الْآنَ، وَفِي الْقُرْآنِ غَنِيَّةٌ عَنْهُ، وَكَذَا (?) هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} . هَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَنْ لَا يَجِدُ تَزْوِيجًا [بِالتَّعَفُّفِ] (?) عَنِ الْحَرَامِ، كَمَا قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (?) -: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أغَضُّ لِلْبَصَرِ، وأحْصَنُ لِلْفَرْجِ. وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاء".

وَهَذِهِ (?) الْآيَةُ مُطْلَقَةٌ، وَالَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ أَخَصُّ مِنْهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} ، إِلَى أَنْ قَالَ: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [النِّسَاءِ: 25] أَيْ صَبْرُكُمْ عَنْ تَزْوِيجِ الْإِمَاءِ خَيْرٌ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَجِيءُ رَقِيقًا، {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .

قَالَ عِكْرِمَةُ فِي قَوْلِهِ: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا} قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يَرَى الْمَرْأَةَ فَكَأَنَّهُ يَشْتَهِي، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فَلْيَذْهَبْ إِلَيْهَا وَلْيَقْضِ (?) حَاجَتَهُ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امرأة فلينظر في ملكوت السموات [وَالْأَرْضِ] (?) حَتَّى يُغْنِيَهُ اللَّهُ.

وَقَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} هَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلسَّادَةِ إِذَا طَلَبَ مِنْهُمْ عَبِيدُهُمُ الْكِتَابَةَ أَنْ يُكَاتِبُوا (?) ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لِلْعَبْدِ حِيلَةٌ وَكَسْبٌ يُؤَدِّي إِلَى سيِّده الْمَالَ الَّذِي شَارَطَهُ عَلَى أَدَائِهِ. وَقَدْ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ أمرُ إِرْشَادٍ وَاسْتِحْبَابٍ، لَا أَمْرَ تَحَتُّمٍ وَإِيجَابٍ، بَلِ السَّيِّدُ مُخَيَّرٌ، إِذَا طَلَبَ مِنْهُ عَبْدُهُ الْكِتَابَةَ إِنْ شَاءَ كَاتَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُكَاتِبْهُ.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: إِنْ شَاءَ كَاتَبَهُ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُكَاتِبْهُ.

وَقَالَ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاح: إِنْ يَشَأْ يُكَاتِبْهُ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يُكَاتِبْهُ (?) ، وَكَذَا قَالَ مُقاتل بْنُ حَيَّان، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ.

وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ إِذَا طَلَبَ مِنْهُ عبدُه ذَلِكَ، أَنْ يُجِيبَهُ إِلَى مَا طَلَبَ؛ أَخْذًا بِظَاهِرِ هَذَا الْأَمْرِ:

قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ رَوْحٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْج قُلْتُ لِعَطَاءٍ: [أَوَاجِبٌ عَلَيَّ إِذَا عَلِمْتُ لَهُ مَالًا أَنْ أُكَاتِبَهُ؟ قَالَ: مَا أَرَاهُ إِلَّا وَاجِبًا. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ] (?) ، أتأثُرُه عَنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: لَا. ثُمَّ أَخْبَرَنِي أَنَّ مُوسَى بْنَ أَنَسٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ سِيرِينَ سَأَلَ أَنَسًا المكاتبةَ -وكان كثير المال، فأبى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015